إذا غابت القدوة

محاضرة في مسجد الحسن في 7 ربيع الأول 1431هـ الموافق 22 فبراير 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لسماع المحاضرة اضغط على الرابط التالي :

http://www.ssadek.com/mohadrat/kdwa.mp3

    * الرسول هو قدوة العالمين ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) الأحزاب .

     وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري وأحمد وغيرهما . ويقول : (لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) رواه مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود  . ويقول : (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني) متفق عليه .

     والله حفظ القدوة والحجة بحفظ النصوص (الكتاب والسنة) وحفظ العمل والتطبيق بعد النبي صلى الله عليه وسلم بالعلماء ورثة الأنبياء والمجدّدين على رؤوس القرون والطائفة الظاهرة والأمة الذين يهدون بالحق وبه يعدلون .

     و لا يكون العالم قدوة حتى يكون خوف الله وخشيته والتزكية والخشوع والعدالة والتقوى أموراً ظاهرة عليه ، لأن هذا هو العلم الصحيح قال تعالى : (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر . وقال تعالى : (إنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً ، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ، وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) الإسراء . ولا يدخل أهل الجفاف في أهل القدوة .

     قال تعالى : (وممن خلقنا أمةٌ يَهدُون بالحق وبه يَعْدِلون) الأعراف . وقال تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحِجر . وقال تعالى : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف . وروى ابن مردويه أن علي بن أبي طالب كانوا يتلو هذه الآية عند ما يحدث بحديث الافتراق وذكر حسين أسد أنه ضعيف .قال الشوكاني : قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكره لهذا الحديث ما لفظه : وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروي من طرق عديدة .اهـ . وقد صحّح الحديث الحافظ العراقي والحافظ ابن حجر والألباني وغيرهم .

     وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة ولتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة فأما اليهود فإن الله يقول : (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) فهذه التي تنجو ، وأما النصارى فإن الله يقول : (منهم أمة مقتصدة ) فهذه التي تنجو وأما نحن فيقول : (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) فهذه التي تنجو من هذه الأمة . وقال الشوكاني : قيل : هم من هذه الأمة وإنهم الفرقة الذين لا يزالون على الحق ظاهرين كما ورد في الحديث الصحيح .

      وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله : (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق ) قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (هذه أمتي بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون) . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها : (هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون )

     وقال صلى الله عليه وسلم : (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) د ك هق في (المعرفة)  عن أبي هريرة ، و قال الألباني  صحيح .

     وقال صلى الله عليه وسلم : (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس) رواه الجماعة إلا النسائي وهو متواتر . وبوّب البخاري أنهم أولو العلم .

     *وفي آخر الزمان يشيخ الزمان و تكثر الفتن ، ويحصل انحسار للعلم والعلماء في بعض البلاد التي يحتلها الكفار أو يحكمها الفسَقة  ، عن الزبير بن عدي قال أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج فقال : اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ، سمعتُه من نبيكم صلى الله عليه وسلم .

     قال الحافظ في (الفتح) : وجدت عن عبد الله بن مسعود التصريح بالمراد وهو أولى بالاتباع فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول : لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة ، لستُ أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالاً يفيده ، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله ، فإذا ذهب العلماء استوى الناس ، فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون .  ومن طريق أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود إلى قوله : شر منه . قال : فأصابتنا سنة خصب ، فقال : ليس ذلك أعني ، إنما أعني ذهاب العلماء . ومن طريق الشعبي عن مسروق عنه قال : لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله ، أما إني لا أعني أميرا خيرا من أمير ، ولا عاما خيرا من عام ، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلَفا، ويجيء قوم يفتون برأيهم . وفي لفظ عنه من هذا الوجه : وما ذاك بكثرة الأمطار وقلَّتها ولكن بذهاب العلماء ، ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه . وأخرج الدارمي الأول من طريق الشعبي بلفظ : لست أعني عاما أخصب من عام ـ والباقي مثله ـ  وزاد : وخياركم  ، قبل قوله : وفقهاؤكم .

     و عن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول :كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت يا رسول الله إنا كنا في الجاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: ( نعم ) . قلت وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : (نعم وفيه دخن ) . قلت وما دخنه ؟ قال: ( قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ) . قلت فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: (نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) قلت يا رسول الله صفهم لنا ؟ فقال: ( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ) . قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال ( فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) .

     و قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد و لكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا) حم ق ت هـ  عن ابن عمرو .

    * فإذا حدثت أزمة قدوة في بعض البلاد بسبب الاحتلال أو الفسق أو موت العلماء ، فالحل في العمل على إيجاد العلماء باستقدامهم أو العمل على تخريجهم من الحلقات أو الجامعات الشرعية أو الهجرة إليهم ، وقد تكون الهجرة واجبة عندما يعم الجهل ، وتنعدم القدوة ، قـال تعـالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً ، إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ، فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©