فضيلة المؤذنين و الأئمة و دورهم في إحياء رسالة المسجد

محاضرة في مجموعة من الأئمة و المؤذنين في مؤسسة الذكرى في24 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق   6 يونيو 2010م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

     قال تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ، رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور .

     أيهما أفضل الأذان  أم الإمامة :

      قال النووي في (شرح مسلم) : فِقْه الْبَاب فَضِيلَة الْأَذَان وَالْمُؤَذِّن ، وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَة بِعِظَمِ فَضْله ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا هَلْ الْأَفْضَل لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَرْصُد نَفْسه لِلْأَذَانِ أَمْ لِلْإِمَامَةِ عَلَى أَوْجُه أَصَحّهَا الْأَذَان أَفْضَل ، وَهُوَ نَصَّ الشَّافِعِيّ فِي (الْأُمّ )  وَقَوْل أَكْثَر أَصْحَابنَا ، وَالثَّانِي الْإِمَامَة أَفْضَل وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيّ أَيْضًا ، وَالثَّالِث هُمَا سَوَاء ، وَالرَّابِع إِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسه الْقِيَام بِحُقُوقِ الْإِمَامَة وَجَمِيع خِصَالهَا فَهِيَ أَفْضَل ، وَإِلَّا فَالْأَذَان ، قَالَهُ أَبُو عَلِيّ الطَّبَرِيّ ، وَأَبُو الْقَاسِم بْن كَجّ ، وَالْمَسْعُودِيّ ، وَالْقَاضِي حُسَيْن مِنْ أَصْحَابنَا . ـ وهذا ما سوف يظهر صوابه من خلال ما سيأتي ـ وَأَمَّا جَمْع الرَّجُل بَيْن الْإِمَامَة وَالْأَذَان فَإِنَّ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا قالوا يُسْتَحَبّ أَلَّا يَفْعَلهُ . وَقَالَ بَعْضهمْ : يُكْرَه ، وَقَالَ مُحَقِّقُوهُمْ  وَأَكْثَرهمْ : إنهُ لَا بَأْس بِهِ ، بَلْ يُسْتَحَبّ ، وَهَذَا أَصَحّ . وَاَللَّه أَعْلَم .

     من فضائل الأذان:

    إحياء الذكر :

     قال صلى الله عليه و سلم : (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ) رواه البخاري و مسلم .

    و قال صلى الله عليه و سلم : (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) رواه البخاري و مسلم .

     والأذان شِعار الإسلام ..كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَلَى الْفِطْرَةِ) ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خَرَجْتَ مِنْ النَّارِ) فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى . رواه مسلم عن أنس .

    2ـ تعليم الترتيب والانضباط :

     وَرَأَى أيو هريرة رَجُلًا يَجْتَازُ الْمَسْجِدَ خَارِجًا بَعْدَ الْأَذَانِ فَقَالَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه مسلم .

    و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج  ، لم يخرج لحاجة ، وهو لا يريد الرجعة فهو منافق)  رواه ابن ماجه ، و قال الألباني صحيح لغيره .

     و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (اجعل بين أذانك و إقامتك نَفَسًا حتى يقضي المتوضئ حاجته في مهل ، و يفرغ الآكل من طعامه في مهل) . عم  عن أبَيّ ، أبو الشيخ في (الأذان) عن سلمان وعن أبي هريرة ، و قال الألباني  حسَن  .

     3ـ الدلالة على الخير و على أفضل الأعمال على مدار اليوم :

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) . رواه البخاري .

   و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة) . رواه مسلم .

     و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة) . رواه البخاري .

     و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا يُرد الدعاء بين الأذان والإقامة) . رواه أبو داود والترمذي ، وقال الألباني صحيح .

     و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) . رواه مسلم  .

     و في شرح مسلم للنووي :( الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَل النَّاس أَعْنَاقًا ) هُوَ بِفَتْحِ هَمْزَة أَعْنَاقًا جَمْع عُنُق ، وَاخْتَلَفَ السَّلَف وَالْخَلَف فِي مَعْنَاهُ ، فَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَكْثَر النَّاس تَشَوُّفًا إِلَى رَحْمَة اللَّه تَعَالَى ، لِأَنَّ الْمُتَشَوِّف يُطِيل عُنُقه إِلَى مَا يَتَطَلَّع إِلَيْهِ ، فَمَعْنَاهُ كَثْرَة مَا يَرَوْنَهُ مِنْ الثَّوَاب . وَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ : إِذَا أَلْجَمَ النَّاسَ الْعَرَقُ يَوْم الْقِيَامَة طَالَتْ أَعْنَاقهمْ لِئَلَّا يَنَالَهم ذَلِكَ الْكَرْب وَالْعَرَق . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَادَة وَرُؤَسَاء ، وَالْعَرَب تَصِف السَّادَة بِطُولِ الْعُنُق . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَكْثَر أَتْبَاعًا . وَقَالَ ابْن الْأَعْرَابِيّ : مَعْنَاهُ أَكْثَر النَّاس أَعْمَالًا . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره : وَرَوَاهُ بَعْضهمْ ( إِعْنَاقًا ) بِكَسْرِ الْهَمْزَة أَيْ إِسْرَاعًا إِلَى الْجَنَّة ، وَهُوَ مِنْ سَيْر الْعَنَق .

      4ـ التحرِّي بالإعلام بأوقات الصلاة :

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الإمام ضامن والمؤذن مؤتَمَن ، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي . وقال الألباني صحيح .

     قال صاحب عون المعبود : ( وَالْمُؤَذِّن مُؤْتَمَن ) : قَالَ ابْن الْأَثِير فِي (النِّهَايَة) : مُؤْتَمَن الْقَوْم الَّذِي يَثِقُونَ إِلَيْهِ وَيَتَّخِذُونَهُ أَمِينًا حَافِظًا ... يَعْنِي أَنَّ الْمُؤَذِّن أَمِين النَّاس عَلَى صَلَاتهمْ وَصِيَامهمْ . انْتَهَى . قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي (مرقاة الصُّعُود) : وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث ابْن عُمَر مَرْفُوعًا " خَصْلَتَانِ مُعَلَّقَتَانِ فِي أَعْنَاق الْمُؤَذِّنِينَ لِلْمُسْلِمِينَ صَلَاتهمْ وَصِيَامهمْ " انْتَهَى . وَقَالَ الطِّيبِيُّ : وَالْمُؤَذِّن أَمِين فِي الْأَوْقَات يَعْتَمِد النَّاس عَلَى أَصْوَاتهمْ فِي الصَّلَاة وَالصِّيَام وَسَائِر الْوَظَائِف الْمُؤَقَّتَة . انْتَهَى . وَقَالَ اِبْن الْمَلَك : وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاء لِأَنَّ النَّاس يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِمْ فِي الصَّلَاة وَنَحْوهَا أَوْ لِأَنَّهُمْ يَرْتَقُونَ فِي أَمْكِنَة عَالِيَة فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْرِفُوا عَلَى بُيُوت النَّاس لِكَوْنِهِمْ أُمَنَاء .

     ( وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ ) : مَا عَسَى يَكُون لَهُمْ من تَفْرِيط فِي الْأَمَانَة الَّتِي حَمَلُوهَا مِنْ جِهَة تَقْدِيمٍ عَلَى الْوَقْت أَوْ تَأْخِيرٍ عَنْهُ سَهْوًا . اهـ .

      قال في (فيض القدير) : (والمؤذن مؤتَمَن) أي أمين على صلاة الناس وصيامهم وإفطارهم وسحورهم وعلى حرَم الناس لإشرافه على دورهم ، فعليه المحافظة على أداء هذه الأمانة (اللهم أرشد الأئمة) ليأتوا بالصلاة على أتم الأحوال (واغفر للمؤذنين) تقصيرهم في مراعاة الوقت بتقدُّمٍ عليه أو تأخُّرٍ عنه ، واستدل بعضهم بهذا على تفضيل الأذان على الإمامة لأن الأمين أفضل من الضمين .اهـ ,

    و يجب تحرِّي الأوقات و لاسيما في هذه الأيام التي ركَنَ فيها المؤذنون إلى التقليد ونتج عن ذلك عدم التدقيق ، و لاسيما في رمضان .

  و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   (يعجَب ربك من راعي غنم في رأس شظية للجبل يؤذن بالصلاة ويصلي ، فيقول الله عز وجل : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني ، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة ) . رواه أبو داود والنسائي . وقال الألباني صحيح .

      فضل الإمامة :

   1ـ الإشراف على أداء الناس أهم ركن بعد الشهادتين و تعليمهم الانضباط:

    لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ . رواه مسلم .

     و عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، فأُقِرَّتْ في تأذين الفجر فثبت الأمر على ذلك . رواه ابن ماجه ، وقال الألباني صحيح .

     وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ قِيَامًا فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ لَنَا : (مَكَانَكُمْ ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ) . متفق عليه .

    و عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ :كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ إِذَا دَحَضَتْ فَلَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ يَرَاهُ . رواه مسلم . قال في (تحفة الأحوذي) : وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا : (إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي) .

    و قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) متفق عليه .

   وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ ، فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ فَقَالَ  : (عِبَادَ اللَّهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) رواه مسلم وأصحاب السنن .

     2ـ الضمان لصلاة الناس :

    قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ : ( الْإِمَام ضَامِن ) حم د ت : أَيْ مُتَكَفِّل لِصَلَاةِ الْمُؤْتَمِّينَ بِالْإِتْمَامِ ، فَالضَّمَان هُنَا لَيْسَ بِمَعْنَى الْغَرَامَة بَلْ يَرْجِع إِلَى الْحِفْظ وَالرِّعَايَة .       

     قَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَالَ أَهْل اللُّغَة الضَّامِن فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ الرَّاعِي ، وَالضَّمَان الرِّعَايَة ، فَالْإِمَام ضَامِن بِمَعْنَى أَنَّهُ يَحْفَظ الصَّلَاة وَعَدَد الرَّكَعَات عَلَى الْقَوْم ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ ضَمَان الدُّعَاء يَعُمّهُمْ بِهِ وَلَا يَخْتَصّ بِذَلِكَ دُونهمْ ، وَلَيْسَ الضَّمَان الَّذِي يُوجِب الْغَرَامَة مِنْ هَذَا بِشَيْءٍ .

    وَقَدْ تَأَوَّلَهُ قَوْم عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَمَّل الْقِرَاءَة عَنْهُمْ فِي بَعْض الْأَحْوَال ، وَكَذَلِكَ يَتَحَمَّل الْقِيَام أَيْضًا إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَأْمُوم رَاكِعًا .

    ( اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّة ) : وَالْمَعْنَى أَرْشِدْ الْأَئِمَّة لِلْعِلْمِ بِمَا تَكَفَّلُوهُ وَالْقِيَام بِهِ وَالْخُرُوج عَنْ عُهْدَته .

     قال في (فيض القدير) : (الإمام ضامن) أي متكفل بصحة صلاة المقتدين لارتباط صلاتهم بصلاته لأنه يتحمل الفاتحة عن المأموم إذا أدركه في الركوع .

    3ـ الشروط في الإمام من أجل العناية بالمسجد والصلاة والمصلين :

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمام أقرؤهم) . رواه مسلم  .

     و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنّاً ، ولا يؤمَّن الرجلُ الرجلَ في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تَكْرِمَتِه إلا بإذنه) . رواه مسلم . وفي رواية له : (ولا يؤمَّن الرجلُ الرجلَ في أهله) .    

 وعن أبي عطية العقيلي قال : كان مالك بن الحويرث يأتينا إلى مصلانا يتحدث فحضرت الصلاة يوماً قال أبو عطية : فقلنا له : تقدم فَصَلِّهْ . قال لنا قدِّموا رجلا منكم يصلي بكم وسأحدثكم لِمَ لا أصلي بكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من زار قوما فلا يؤمَّهم وليؤمَّهم رجل منهم) . رواه أبو داود والترمذي والنسائي إلا أنه اقتصر على لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، و قال الألباني : صحيح  .

      وعن أنس قال : استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى . رواه أبو داود  و قال الألباني صحيح  .

      وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له كارهون) . رواه الترمذي وقال : هذا  حديث غريب . وقال الألباني حسن .

     وعن ابن عمر قال : لما قدم المهاجرون الأولون المدينة كان يؤمُّهم سالم مولى أبي حذيفة وفيهم عمر وأبو سلمة بن عبد الأسد . رواه البخاري

     وعن عمرو بن سلمة قال : ... لم يكن أحد أكثر قرآناً مني لما كنت أتلقى من الركبان فقدَّموني ـ يعني قومه ـ بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين ، وكانت عليّ بُردة كنت إذا سجدت تقلَّصتْ عني ... فاشتروا فقطعوا لي قميصا فما فرحتُ بشيء فرحِي بذلك القميص . رواه البخاري .

     4ـ الحرص على إتمام الصلاة مع مراعاة ظروف الناس وعدم التنفير :

      عن أنس قال : ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تُفتَن أمه . متفق عليه .

     و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز في صلاتي مما أعلم من شدة وجْد أمه من بكائه ). رواه البخاري .    

      وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا صلى أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف والكبير . وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطوِّل ما شاء) .  متفق عليه .    

      وعن قيس بن أبي حازم قال : أخبرني أبو مسعود أن رجلا قال : والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا ، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ ثم قال : (إن منكم منفرين ، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوَّز ، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة) . متفق عليه .

    5ـ انضباط المأمومين في المسجد وانضباط الإمام يتبعه انضباط في شؤون الحياة  :

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يصلون لكم ـ يعني الأئمّة ـ فإن أصابوا فلكم ، وإن أخطأُوا فلكم وعليهم) . رواه البخاري .

     و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف : فإني أراكم أمامي ومن خلفي) . رواه مسلم .

     و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار) . متفق عليه .

     و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا) . رواه أبو داود والنسائي وقال الألباني صحيح .

     و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ألا رجل يتصدَّق على هذا فيصلي معه ؟ " فقام رجل فيصلى معه) رواه الترمذي وأبو داود، وقال الألباني صحيح .

     6ـ الحرص على فِقْه الإمام لأنه يقوم على الصلاة ويشرف على وظائف المسجد الكثيرة :

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (بادروا بالأعمال ستّاً : إمارة السفهاء و كثرة الشُّرَط و بيع الحكْم و استخفافاً بالدم و قطيعة الرحم و نَشْواً يتخذون القرآن مزامير ، يقدمون أحدهم ليغنِّيَهم و إن كان أقلَّهم فقهاً) . طب  عن عابس الغفاري . وقال الألباني صحيح .

    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوما إذ رأى نُخامة في قبلة المسجد فتغيَّظ على الناس  ثم حكَّها ، قال  :وأحسبه قال فدعا بزعفران فلطخه به ، وقال : (إن الله عز وجل قِبَل َوجْهِ أحدكم إذا صلى ، فلا يبصُق بين يديه ) رواه البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ له .

     ومن وظائف الإمام الإشراف على المسجد وعلى نظافته وعلى وظائفه ، ومنها :  إقامة الحلقات والخطابة والمحاضرات ، و جمع الأموال لمواساة المحتاجين ، واستقبال الوفود ومعالجة المرضى  ، وتَفقُّد سكاّن الحي ، وإقامة الأنشطة الرياضية ، وتجهيز الرحلات والبعوث .... إلخ ما وردت به النصوص الصحيحة .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©