العصبية

محاضرة للطالبات في التطبيقات في جامعة الإيمان في 5 ذي القعدة 1430هـ الموافق 24 أكتوبر 2009م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

     تعريفها :

     العصبية سلوكٌ مذموم ، قال في النهاية لابن الأثير : العَصَبِيُّ من يُعينُ قومَه على الظُّلم .. والعَصبِيُّ : هو الَّذِي يغْضَب لعَصَبته ويُحَامي عنهم . والعَصَبة : الأقَارِب من جهة الأَبِ لأنَّهم يُعَصِّبُونه ويَعْتَصبُ بهم : أي يُحِيطُون به ويَشتدّ بهم . ومنه الحديث (ليس منَّا من دَعَا إلى عَصَبِيَّة أو قاتَل عَصَبِيَّة) و العصَبيَّة والتَّعصُّب : المُحامَاةُ والمُدَافَعَة .1

     من مظاهرهاونتائجها:

     قال تعالى في ذم بعض نتائجها : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) الحجرات .1

     وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) الأنعام ، وقال سبحانه : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) الأنعام ، وقال سبحانه : (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الروم .1

     وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا ، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ) حم م ن . وفي لفظ آخر لمسلم : (مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا ، لَا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي بِذِي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي) .

     علاجها :

      قال سبحانه مبيناً المعالجات : (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) النساء . و قال سبحانه : و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) الشورى . و قال تعالى : (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات . و قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) الحجرات .1

      من أنواعها :

     1ـ عصبية النسب :

    ادعاء أفضلية سلالة أو عنصر أو لون على سلالة أو عنصر أولون آخر ، و هي جاهلية لأن البشر خلقوا جميعا كما مرّ في الآية من ذكر و أنثى ، ويترتب عليها الطبقية المقيتة التي تمنع قيام العلاقات الشرعية كالزواج و نحوه .  عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا ، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ  ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)  رواه الترمذي و ذكر الألباني أنه صحيح .    

                         الناس من جهة التمثيل أكفاءُ ***  أبوهمُ آدمٌ و الأم حوّاءُ

                         فإن يكن لهم في أصلهم شرَفٌ *** يفاخرون به فالطين و الماء

     2ـ عصبية المذهب :  

     والمذاهب للاتباع في الاجتهادات من العوام وليس للتكتل ، و هذه التكتلات من أسباب الصراعات ، و منع التجديدات التي تحدث على رأس كل مائة سنة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا) حم ك هق وذكر الألباني أنه صحيح . والتجديدات ضرورة لوجود الدَّخَن كما في حديث حذيفة المتفق عليه :وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ (نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ)  قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ (قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ) . ويمكن للعامي أن يتبع أكثر من عالم موثوق تحاشياً للعصبية المذهبية و لكن دون تتبع للرخص ، ويعتقد أن العلماء مرجعٌ للأمة كلها وليس لأتْباع مذاهبـهم فقط ، تماماً كما تفعل المجامع الفقهية عندما تأخذ من اجتهادات أئمة مذاهب السنة جميعا .

     3ـ عصبية الجماعة :

     لا مانع من وجود جماعات أو جمعيات أو حركات دعوية أو تعاونية أو فئوية أو نقابية أو محلية أو تجارية أو شركات ... ولكن بشرط الإنصاف و مراعاة حقوق الآخرين وعدم الاستقواء عليهم  وظلمهم ، و إلا أصبحت هذه الجماعات عوامل تشْظيةٍ بدلاً من أن تكون عوامل تقْويةٍ ، والأصل أنها كالأجهزة الحيوية في الجسد التي تدعمه وتخدمه وتقوِّيه ، فيتم فيما بينها التعاون والتزاوُر و التكامل والإيثار والتمكين لبعض الأفراد من جماعة في الجماعة الأخرى في المناصب و المسؤوليات و تبادل الكفاءات ، وذلك من أجل الإمعان في تعميق الأخوّة والذوبان . عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  : (تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) متفق عليه .

     ولا يجوز أن تتحول الجماعات وا لمجموعات إلى أحزاب على منهج التعددية عند غـير المسلمين ، لأن الأحزاب كيانات متصارعة مذمومة في الإسلام ، و لايوجد في الإسلام إلا حزب واحد تتعاون كل أجهزة الأمة وكياناتها المتكاملة المترابطة لإقامته و هو حزب الله (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) المائدة .

     4ـ عصبية القبيلة :

     القبيلة تجمعٌ فطري أقرّه القرآن و يمكن الاستفادة منه كالجماعات في خدمة المجتمع ، بل لعله أقوى في الرابطة منها، لأنه يقوم على رابطة الأصل و الدم ، ولكنه قد يعتريه التعصب العنصري النسَبي والفخر بالأصول ، و الفخر بالقوة ، ونزعة السيطرة على الآخرين  واللامبالاة بحقوقهم .

     ومع التربية السليمة كان الرسول صلى الله عليه و سلم والقادة من الصحابة يستفيدون من قوة القبيلة و تماسكها من أجل تعجيل الحسْم .. و ذلك في إفراد القبائل براياتها في المعارك كما في فتح مكة و كما في اليرموك .. وفي مدح صفاتها التي تتميز بها من أجل التسابق في الخير ، وهنالك أحاديث في فضائل قريش و في فضائل عشائر الأنصار و في فضائل العديد من قبائل العرب .

     5ـ عصبية الشعب:

    الشعوب تكتلاتٌ فطرية أقرها القرآن ، وهي كالقبائل في إمكان الاستفادة من تماسكها في خدمة الكيان العظيم كيان الأمة ، إذا عملت التربية فيها على تجنُّب التعصب العنصري والقومي ، و عملتْ على الاستفادة من ميزة كل شعب فيما يتميز به من القدرات ، وقد وردت أحاديث في فضائل بعض الشعوب والبلاد من أجل إذكاء روح التنافس في الخير كفضائل اليمن وفضائل الشام وفضائل مصر وفضائل فارس ...   ولإذابة العصبيات لا بد من إزالة ما خلّفه الاستعمار من الحدود والجنسيات و التأشيرات ، ولا بد من التمكين للاستيطان وللتملُّكات  و للكفاءات ، و تبادل تولي المناصب و المسؤوليات فيمابين الشعوب والبلاد الإسلامية بلا تمييز ، فالمسلمون جسد واحد وبنيان واحد . و يعمل الأفراد على إذابة الحواجز في تعاملاتهم ما أمكن إذا عجزت الحكومات.

 

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©