لماذا لا يتَّحِد المسلمون في السياسة كبعض العبادات؟

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 13 من ذي الحجة 1431هـ الموافق 19 نوفمبر 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    أيام التشريق :

     *يحتفل المسلمون هذه الأيام بعيد الأضحى وأيام التشريق و يستكثرون من الذكر في كل مكان ، ولاسيما في الحج قال تعالى : (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) البقرة . والمعدودات هي أيام التشريق كما قال ابن عباس فيما علّقه البخاري ووصله عبد بن حميد .

    جاء في (الفتح) : مُقْتَضَى كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ ... لَكِنْ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ يَقْتَضِي دُخُولَ يَوْمِ الْعِيدِ فِيهَا . وَقَدْ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ ، أَيْ يُقَدِّدُونَهَا وَيُبْرِزُونَهَا لِلشَّمْسِ . .. وَأَظُنُّهُمْ أَخْرَجُوا يَوْمَ الْعِيدِ مِنْهَا لِشُهْرَتِهِ بِلَقَبٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ ، وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبَعٌ لَهُ فِي التَّسْمِيَةِ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِهِمْ . وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ " أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ مَوْقُوفًا ، وَمَعْنَاهُ لَا صَلَاةَ جُمُعَة وَلَا صَلَاةَ عِيدٍ . ... وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ " مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ التَّشْرِيقِ أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ - فَلْيُعِدْ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ مُرْسَلِ الشَّعْبِيِّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

     ... وَابْنُ عَبَّاسٍ أَرَادَ تَفْسِيرَ " الْمَعْدُودَاتِ وَالْمَعْلُومَاتِ " وَقَدْ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ وَفِيهِ " الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ " وَرَوَى اِبْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ ، وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، وَظَاهِرُهُ إِدْخَالُ يَوْمِ الْعِيدِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ .

     وَقَدْ رَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ الْمَعْلُومَاتِ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ " وَرَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَيَذْكُرُوا اِسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَيَّامُ النَّحْرِ . اِنْتَهَى ... وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

     و لعل الصواب أن المعدودات أيام التشريق لأن التعجُّل في الخروج من منى يخُصُّها ، و هو شطر قول ابن عباس الأول ، و المعلومات أيام التشريق مع العيد لماعلّل به الطحاوي عندما اختار بخصوصها القول الثاني لابن عباس .

     التعجُّل والتأخير فيها مباحان :

     * وأما قوله تعالى : (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) فلعل المراد كما يظهر من كلام الشوكاني في التفسير أن من العرب من كان يذمّ التعجُّل ومنهم من يذم التأخُّر ، فبيّن الله أن كلا الأمرين مباحٌ لمن اتقى الله في حجه ، ومع إباحة التخيير لا شك أن الأكثر عملاً وهو التأخير أكثر أجراً ، كما في سائر العبادات التي فيها تخيير .

     صيغة التكبير فيها :

      * وأبرز الذِّكْر المخصوص التكبير عقيب الصلوات الذي ييدأ من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق "

 قال الألباني في (الإرواء) : وقد صح عن علي رض الله عنه : " أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ويكبر بعد العصر " . رواه ابن أبي شيبة من طريقين أحدهما جيد . ومن هذا الوجه رواه البيهقي . ثم روى مثله عن ابن عباس و سنده صحيح . وروى الحاكم عنه وعن ابن مسعود مثله .

     ... وقد ثبت تشفيع التكبير عن ابن مسعود رضى الله عنه : " أنه كان يكبر أيام التشريق : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله اكبر ولله الحمد " . أخرجه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح . ولكنه ذكره في مكان آخر بالسند نفسه بتثليث التكبير وكذلك رواه البيهقي عن يحيى بن سعيد عن الحكم عن عكرمة عن ابن عباس بتثليث التكبير . وسنده صحيح أيضا ، لكن رواه ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ : " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر وأجل الله أكبر ولله الحمد " . ورواه المحاملي في " صلاة العيدين " من طريق أخرى عن عكرمة به لكنه قال : الله أكبر وأجل الله أكبر على ما هدانا " فأخّر وزاد وسنده صحيح . وروى أ ثر ابن مسعود من الوجه المتقدم بتشفيع التكبير وهو المعروف عنه . اهـ .

     أيام أكل وذكْر وذبح :

     و آخر أيام التشريق هو اليوم الثالث بعد العيد كما يظهر من الآية . و في الحديث (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله ) رواه مسلم و أحمد . وجاء الترخيص في صيامها لمن لم يجد الهدْي كما في حديث البخاري ، وهي كذلك أيام ذبح ، قال صلى الله عليه و سلم : (...وكل أيام التشريق ذبح) رواه أحمد و قال الألباني صحيح .

     لماذا لا تجتمع كلمة المسلمين في السياسة كما في بعض العبادات ؟ :

     *وهذا اليوم يوم جمعة وهو آخر أيام التشريق و هو يوم عيد وبقيت لنا الساعة بعد العصر ، قال صلى الله عليه و سلم : (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا آتاه الله إياه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر)رواه أبو داود والنسائي والحاكم عن جابر . قال الألباني صحيح .

      * وينبغي التركيز على الدعاء في مثل هذه المناسبة على جمع كلمة المسلمين مع ما ندعو به , وإن كلمة المسلمين مجتمعة في كثير من أمور العبادات كأداء الصلاة و صيام رمضان  وتعظيم الأخلاق ، ومنها أداء مناسك الحج في كل عام من قبل الملايين من كل فج عميق في أنحاء العالم ، وهي مناسبة عظيمة لا مثيل لها لو تتم الاستفادة منها على الوجه المنشود كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه .

     وانظروا كيف تجتمع كلمة الكافرين في قضايا فرعية كقضية الطرود المفَبرْكة ضد اليمن التي تم اتخاذ مواقف فيها من دول عديدة  متواطئة مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا ، وكيف تواطأت ألمانيا وأمريكا في قضية المؤيد  ، وكيف اجتمعوا في التآمر على اليمن بتركيز منذ بداية هذا العام تارة باسم مؤتمر لندن ، وتارة باسم أصدقاء اليمن و لا زالوا يواصلون ، قال تعالى : (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ الأنفال .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©