ومَن يَعْشُ عن ذِكْرِ الرَّحْمن ...

خطبة جمعة في مسجد جمعية أمة في إسطنبول في 29 من ربيع الأول 1440هـ الموافق 7 ديسمبر 2018م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/yasho.mp3

لسماع الخطبة بصيغة " إم بي ثري " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/mp3/yasho.mp3

 

     قال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ، حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ، وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) الزخرف.

        وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ» قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ»، رواه مسلم وفي رواية لمسلم «وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ».

      من تفسير ابن كثير بتصرُّف:

      يَقُولُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ} أَيْ: يَتَعَامَ وَيَتَغَافَل وَيُعْرِض، {عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} وَالْعَشَا فِي الْعَيْنِ: ضَعْفُ بَصَرِهَا. وَالْمُرَادُ: عَشَا الْبَصِيرَةِ، {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، كقَوْلِهِ: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} حم السجدة ؛ وَلِهَذَا قَالَ هَهُنَا: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ. حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} فَإِذَا وَافَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يتبرَّم بالشيطان الذي وُكِّل به، {قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "حَتَّى إِذَا جَاءَانَا" يَعْنِي: الْقَرِينَ وَالْمُقَارِنَ.

      قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ في تفسيره: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيري قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُعِثَ مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَفَع بِيَدِهِ شَيْطَانٌ فَلَمْ يُفَارِقْهُ، حَتَّى يُصَيِّرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى النار، فذلك حين يقول: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}. وَالْمُرَادُ بِالْمَشْرِقَيْنِ هُنَا هُوَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. تَغْلِيبًا، كَمَا يُقَالُ الْقَمَرَانِ، وَالْعُمَرَانُ، وَالْأَبَوَانِ. قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ.

      وَلَمَّا كَانَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمُصِيبَةِ فِي الدُّنْيَا يَحْصُلُ بِهِ تَسْلِيَةٌ لِمَنْ شَارَكَهُ فِي مُصِيبَتِهِ، قَطَعَ اللَّهُ ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ النَّارِ، فلا يحصل لهم بذلك تَسْلِيَةٌ وَلَا تَخْفِيفٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}، لَا يُغْنِي عَنْكُمُ اشْتِرَاكُكُمْ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ.

     ومن تفسير سورة ق: وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ القرين الأوَّل يَعُمُّ السَّائِقَ وَالشَّهِيدَ، وَلَهُ اتِّجَاهٌ وَقُوَّةٌ.

       فَيَحْكُمُ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ تَعَالَى، فِي الْخَلِيقَةِ بِالْعَدْلِ فَيَقُولُ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) ق.

      {قالَ قَرِينُهُ} : ذكَر ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ أن هذا هُوَ القرين الثاني وهو الشَّيْطَانُ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} أَيْ: مَا أَضْلَلْتُهُ، {وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}. كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إِبْرَاهِيمَ .

      ومن سورة الأنعام: قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: قَرَأْتُ فِي الزَّبُورِ: إِنِّي أَنْتَقِمُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِالْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ أَنْتَقِمُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ جَمِيعًا، وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} الأنعام.

      وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ في قوله: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} الأنعام، قَالَ: ظَالِمِي الْجِنِّ وَظَالِمِي الْإِنْسِ، وَقَرَأَ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزُّخْرُفِ، قَالَ: وَنُسَلِّطُ ظَلَمَةَ الْجِنِّ عَلَى ظَلَمَةِ الْإِنْسِ.

      وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْكَرَابِيسِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ"، ذكره ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق، ورجاله ثقات، وعاصم فيه كلام يسير. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

وَمَا مِن يَدٍ إِلَّا يدُ اللَّهِ فَوْقَهَا ... وَلَا ظَالِمٍ إِلَّا سَيُبلى بِظَالِمِ

    وَمن سورة مريم: قَوْلُ الله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} قَالَ قَتَادَةُ: تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا إِلَى مَعَاصِي اللَّهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: تُغْرِيهِمْ إِغْرَاءً وَتَسْتَعْجِلُهُمُ اسْتِعْجَالًا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} الزُّخْرُفِ .

      ومن سورة حم السجدة: قال تعالى:{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} حم السجدة، يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَضَلَّ الْمُشْرِكِينَ، بِمَا قَيَّض لَهُمْ مِنَ الْقُرَنَاءِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ: {فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أَيْ: حَسَّنوا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فِي الْمَاضِي والْمُسْتَقْبَلِ فَلَمْ يَرَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا مُحْسِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} الزُّخْرُفِ . اهـ. المنقول من تفسير ابن كثير بتصرُّف.

       من تفسير الشوكاني بتصرُّف:

     قَوْلُهُ تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) يُقَالُ عَشَوْتُ إِلَى النَّارِ: قَصَدْتُهَا، وَعَشَوْتُ عَنْهَا: أَعْرَضْتُ عَنْهَا، كَمَا تَقُولُ: عَدَلْتُ إِلَى فُلَانٍ، وَعَدَلْتُ عَنْهُ،كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ وَأَبُو الْهَيْثَمِ وَالْأَزْهَرِيُّ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْقُرْآنِ إِلَى أَبَاطِيلِ الْمُضِلِّينَ يُعَاقِبُهُ اللَّهُ بِشَيْطَانٍ يُقَيِّضُهُ لَهُ وَيُلَازِمَهُ قَرِينًا لَهُ، فَلَا يَهْتَدِي مُجَازَاةً لَهُ حِينَ آثَرَ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ الْبَيِّنِ.

     وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعَشْوُ النَّظَرُ الضعيف، وَاستشْهَد بقَوْلِ الْحُطَيْئَةِ:

مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مَوْقِدِ

      ولكن الظَّاهِر أَنَّ المَعْنَى: تَقْصِدُ إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ، وليس تَنْظُرُ إِلَيْهَا بِبَصَرٍ ضَعِيفٍ. وَالْمَقصود الْمُبَالَغَةُ فِي ضَوْءِ النَّارِ وَسُطُوعِهَا، بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُهَا النَّاظِرُ إِلَّا كَمَا يَنْظُرُها أعْشَى البصر مِنْ عِظَمِ وَقُودِهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: (وَمَنْ يَعْشُ) وَمَنْ تُظْلِم عَيْنُهُ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْخَلِيلِ، وَهَذَا عَلَى قراءة الجمهور (وَمَنْ يَعْشُ) بِضَمِّ الشِّينِ مِنْ عَشَا يَعْشُو.

      (فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) أَيْ: مُلَازِمٌ لِلشَّيْطَانِ أو ملازمٌ له الشيطان لَا يُفَارِقُهُ، يُطِيعُهُ فِي كُلِّ مَا يُوَسْوِسُ بِهِ إِلَيْهِ، (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أَيْ: يَحُولُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَبِيلِ الْحَقِّ، (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) أَيْ: يَحْسَبُ الْكُفَّارُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ مُهْتَدُونَ فَيُطِيعُونَهُمْ، أَوْ يَحْسَبُ الْكُفَّارُ أَنَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مُهْتَدُونَ، (حَتَّى إِذا جاءَانا) قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالتَّثْنِيَةِ، أَيِ: الْكَافِرُ، وَالشَّيْطَانُ الْمُقَارِنُ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ بِالْإِفْرَادِ، أَيِ: الْكَافِرُ، قالَ الكافر للشيطان (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) أَيْ: بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.

     (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ، أَيْ: أَنْتَ أَيُّهَا الشَّيْطَانُ (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) أَيْ: لِأَجْلِ ظُلْمِكُمْ أَنْفُسَكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: إِذْ بَدَلٌ مِنَ الْيَوْمِ، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ (أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) بِفَتْحِ أَنَّ عَلَى أَنَّهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، أَيْ: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ اشْتِرَاكُكُمْ فِي الْعَذَابِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ بِسَبَبِ الِاشْتِرَاكِ شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ الحظُّ الأوفر منه. وقيل: إنها لِنَفْيِ النَّفْعِ، أَيْ: لِأَنَّ حَقَّكُمْ أَنْ تَشْتَرِكُوا أَنْتُمْ وَقُرَنَاؤُكُمْ فِي الْعَذَابِ كَمَا كُنْتُمْ مُشْتَرِكِينَ فِي سَبَبِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُقَوِّي هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَلَيْهِ فِيهَا بِكَسْرِ (إِنَّ).     

     ومن تفسير سورة مريم قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهم أَزًّا) مريم. ذَكَرَ الزَّجَّاجُ: أَنَّ مَعْنَاهُ خَلَّيْنَا بَيْنَ الْكَافِرِينَ وَبَيْنَ الشَّيَاطِينِ فَلَمْ نَعْصِمْهُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ نُعِذْهُمْ، بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قالَ فِيهِمْ: (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) الإسراء . أو المعنى أَنَّهُمْ أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ وَقُيِّضُوا لَهُمْ بِكُفْرِهِمْ، قَالَ تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً)، فَمَعْنَى الْإِرْسَالِ التَّسْلِيطُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ لِإِبْلِيسَ: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)، وَيُؤَيِّدُ المعنى الثَّانِي تَمَامُ الْآيَةِ، وَهُوَ (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) ، فإن الأَزَّ والهزَّ والاستفزاز معناه التَّحْرِيكُ وَالتَّهْيِيجُ وَالْإِزْعَاجُ.

     ومن تفسير سورة ق: قال تعالى: (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ) الْمُرَادُ بِالْقَرِينِ هُنَا الشَّيْطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لِهَذَا الْكَافِرِ، أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَطْغَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ... وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (قالَ قَرِينُهُ) : قَالَ شَيْطَانُهُ.اهـ. المنقول من تفسير الشوكاني بتصرُّف.

    ما هو العَشْوُ عن ذكْر الرحمن؟:

    هو الإعراض عما يدخل في الذِّكْر، فالذِّكْر حصْن المسلم، ومن ذلك الإعراض عن العبادات أو عن بعضها من الفرائض أو النوافل، التي عليها التحضيض في الهرْج في مثل ظروفنا كما في صحيح مسلم، أو الإعراض عن أخصِّ العبادات وهي الصلوات أو عن بعضها، أو عن أذكار الصباح والمساء وأذكار المناسبات أو عن بعضها، أو عن وِرْد القرآن أو عن الحدِّ الأدْنَى منه، أو عن الدعاء، أو عن الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام، وبقدْر الإعراض يكون تسَلُّط شيطانٍ وربَّما أكثر، وإضلال المُعْرِض والإضرار به، وقد يكون من ذلك الإصابة بالمَسِّ أو السِّحْر أو العين، والعياذ بالله رغم أن كيد الشيطان ضعيف ولا سلطان له على المؤمنين.

      وفي الختام يقول تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت.
 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©