مِن حُسْنِ إسلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لايَعْنِيه

خطبة جمعة في الإصلاح في غرة رجب 1429هـ 4يوليو2008م

 

   * قال الترمذي : حدثنا قتيبة حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن علي بن حسين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من حسْن إسلام المرءِ تركَه ما لا يَعنيه) .   

      قال الترمذي: وهكذا روى غير واحد من أصحاب الزهري عن الزهري عن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث مالك مرسلا، وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة (يعني موصولًا)، و علي بن حسين لم يدرك علي ابن أبي طالب . قال الشيخ الألباني : صحيح لغيره .

 *وفي مسند أحمد : حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا موسى بن داود ثنا عبد الله بن عمر عن بن شهاب عن علي بن حسين عن أبيه رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من حسن اسلام المرء تركـه ما لا يعنيـــه) . قال شعيب الأرنؤوط : حسَن بشواهده .

  * قال الخطيب: حدثني أبو بكر محمد بن علي بن إبراهيم القاري الدينوري بلفظه ،سمعت أبا الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن الفرضي سمِع أبا بكر بن داسة قــال سمعت أبا داود يقول : كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مئة ألــف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني كتاب " السنن " - جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثماني مئة حديث ، ذكرت الصحيح وما يشبهــه ويقاربه . ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها قوله صلى الله عليه وسلم - " الأعمال بالنيات " . والثاني " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". والثالث قوله " لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه ". والرابع " الحلال بيِّن "الحديث .

 * قوله ( من حسن إسلام المرء ) أي من جملة محاسن إسلام الإنسان وكمال إيمانه ،( تركه ما لا يعنيه ) ،  قال بن رجب الحنبلي في كتاب (جامع العلوم والحكم) في شرح هذا الحديث ما لفظه: معنى هــذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل واقتصاره على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى (يعنيه) أنه يتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه ، والعناية شدة الاهتمام بالشيء، يقال عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبَه، وإذا حسُن الإسلام اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمـــات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعنيه المسلم إذا كمُل إسلامه . انتهى مختصرا.

  قال القاري في معنى (تركه ما لا يعنيه): أي ما لا يهمه ولا يليق به قولا وفعلا ونظرا وفكرا، وقال :وحقيقة ما لا يعنيه مالا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه ولا ينفعه في مرضاة مولاه بأن يكون عيشـه بدونه ممكنا، وهو في استقامة حاله بغيره متمكنا، وذلك يشمل الأفعال الزائدة والأقوال الفاضلة .

 قال الغزالي : وحَدُّ ما يعنيك أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه لم تأثم ولم تتضرر في حال ولا مال.

  ومثاله أن تجلس مع قوم فتحكي معهم أسفارك، وما رأيت فيها من جبـال وأنهار وما وقــع لك من الوقائع، وما استحسنته من الأطعمة والثياب وما تعجبت منه من مشايخ البلاد ووقائعهم ، فهذه أمور لو سكتَّ عنها لم تأثم ولم تتضرر، وإذا بالغت في الاجتهاد حتى لم يمتزج بحـكايتك زيادة ولا نقصــان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة، ولا اغتياب لشخص ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى ، فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك ومحاسب على عمل لسانك، إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، لأنك لو صرفت زمان الكلام في الذكر والفكر، ربما ينفتح لك من نفحات رحمة الله تعالى ما يعظم جدواه، ولو سبَّحت الله بنى لك بها قصرا في الجنة، وهذا على فرض السلامة من الوقوع في كلام المعصية ، وأن تسلم من الآفات التي ذكرناها . انتهى .

  وقال ابن رجب: هذا الحديث أخرجه الترمذي وبن ماجة من رواية الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عـــنه ، وقال الترمذي: غريب ... وأخرجه بن ماجة والبيهقي في (شُعَـــــب الإيمان) .

  وقد حسّنه الشيخ المصنف يعني الإمام النووي لأن رجال إسناده ثقات وقرّة بن عبد الرحمن بن جبريل وثقه قوم وضعفه آخرون .

 * في هذا العصر يمدحون توفير الجُهد والوقت والمال بوجود الوسائل والآلات كالحاسوب والطائرات ، وهذا الحديث يُربّي المسلم في هذا الاتجاه ، فيمنع العراقيل والمعوقات  والتضييع، ويوصلك إلى سعادة الدنيا والآخرة بأقل جهد ووقت، وذلك بمنْع المسلم من الخوض فيما لايعنيه، وفي مقدمة ذلك المحرَّمات فهي لاتعرقل فحسب ،بل تقذف بالشخص إلى الاتجاه المعاكس لهدفه ، ويمْنع المسلم كذلك من لغو القول والفعل،ليوفر طاقته في الاتجاه الصحيح (والذين هم عن اللغو معرِضون) المؤمنون .

*بل يمنع المسلم من تقديم ماليس له أولويّة على ما له أولوية ،لأن الذي يعنيه هو ذو الأولوية كتقديم الفرض على النفل،كمافي قوله صلى الله عليه وسلّم : (إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)رواه مسلم. وكتقديم الجهاد على التنفّل بالصيام والقيام.

 *وفي أمور الدنيا يجعل المسلم يقتصر على قدْر الحاجة قال صلى الله عليه وسلم: (فراشٌ للرجُل وفراشٌ لامرأته وفراش للضيف والرابع للشيطان) رواه مسلم . وهذا يمنع التبذير وصرف الطاقات والأوقات فيما لاينفع ، ويجعل ذلك من حظ الشيطان قال تعالى: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) الإسراء.

  ومعنى ذلك أن يتوقّف الناس  أفرادًا ودُوَلًا ومؤسسات، عن فضول البناء والأثاث ،والكــلام والإعلام في الصحف والمجلات والقنوات، وعن الألعاب والمسابقات وعن زَيْف الاحتفالات ومذمــوم المبالغات في شروط الزواج والولائم والحفلات، التي هي في الغالب مكرّرات لاتعني العقلاء بل منكرات، ويكتفون بقدْر الحاجة فيوفرون على انفسهم وعلى المجتمعات الكثير الكثير الكثير!!! .

*يقولون عن المسلمين إنهم فقراء، وهم أغنياء في الحقيقة لو اقتصروا على مايعنيهم ،وبعض دولهم في هذا العصر صار عمرها أكثر من مائة عام و لها ثروات طائلة ، وكان المفروض أن تكون نموذجيــة... صناعية زراعية نووية ، لو سلِموا من العبث والخوض في مالا يعني.  وليس اليهود أقدر منهم ، عندمــا أسّسوا دولة أصبحتْ صناعية زراعية نووية في أقل من نصف قرن .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©