...إلا كما طار وقع

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 19 ربيع الأول 1431هـ الموافق 5 مارس 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/tar.mp3

    * عن أنس قال:كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء ، وكانت لا تُسْبَق فجاء أعرابيٌّ على قَعود له فسبَقها فاشتد ذلك على المسلمين  ، وقالوا سُبِقت العضباء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن حقّاً على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضَعه) رواه البخاري وأحمد والنسائي وأبو داود وابن حبان وغيرهم  .

     قال في (الفتح) : التواضُع بضم الضاد المعجمة مشتق من الضِّعة بكسر أوله وهي الهوان ، والتواضع هو العنوان الذي أورد البخاري تحته هذا الحديث ، والمراد بالتواضع إظهار التنـزّل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه  ... وزعم بعضهم أنه لا مدخل للحديث في العنوان ، وغفَل عما وقع في بعض طرق الحديث عند النسائي بلفظ : (حقٌّ على الله ان لا يرفع شيءٌ نفسَه في الدنيا إلا وضعه) فإن فيه إشارة إلى الحث على عدم الترفع والحث على التواضع ، والإعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة .

     قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة ..

     وقال الطبري : في التواضع مصلحة الدين والدنيا ، فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم الشحناء ، ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة .

     قلت : وفيه أيضا حسن خلُق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه لكونه رضي أن أعرابيا يسابقه وفيه جواز المسابقة . اهـ . بتصرُّف .

     وفي موضع آخر من (الفتح) : والعضباء بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحَّدةٌ ومدٌّ هي المقطوعة الأذن أو المشقوقة .

    وقال ابن فارس :كان ذلك لقباً لها لقوله تسمى العضباء، ولقوله يقال لها العضباء ، ولو كانت تلك صفتها لم يحتج لذلك .

  واختُلِف هل العضباء هي القصواء أو غيرها ، فجزم الحربي بالأول وقال: تسمى العضباء والقصواء والجدعاء ، وروى ذلك ابن سعد عن الواقدي ، وقال غيره بالثاني .

     ... وفيه الحث على التواضع وفيه حسن خلُق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وعظمته في صدور أصحابه . اهـ .

     * و العاقل لا يضع نفسه بالموضع الذي يُكسَر فيه ، بل يتواضع حتى يَسلَم.. عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخرَ أحد على أحد ولا يبغيَ أحد على أحد) رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم .

     والتواضع وقايةٌ للمتواضِع من السقوط المؤذِي ، بل التواضع رِفْعة ، قال صلى الله عليه وسلم : (ما نقصتْ صدقةٌ من مال و ما زاد الله عبدا بعفوٍ إلا عزّاً و ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله) رواه أحمد و مسلم والترمذي عن أبي هريرة .

     *وسنة الله ماضيةٌ في خفْض المرتفع لاسيما إذا غرَّهُ ذلك ، بدليل رواية النسائي (حقٌّ على الله أن لا يرفع شيءٌ نفسَه في الدنيا إلا وضعه) .. وما طار طيرٌ وارتفع إلا كما طار وقع .

      وأحوال الزمان دوَّارة بسبب سنة الله .. فكم من قويٍّ ضعُف .. قال تعالى : (ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة) الروم . وكم من عليمٍ عادَ لا يعلم شيئا .. قال تعالى :  (ومنكم من يُرَدُّ إلى أرذل العُمُر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) الحج .   وكم من غني افتقر .. قال تعالى: (يَبْسُطُ الرزقَ لمن يشاءُ ويَقْدِر ـ أي يُضَيِّق ـ) الشورى . وقال أبو تمّام :

           لاَ تُنْكِرِي عَطَلَ الْكَرِيمِ مِنَ الْغِنَى    ***     فَالسَّيْلُ حَرْبٌ لِلْمَكَانِ الْعَالِي

     *و مَن تكبَّر أو تجبَّر فيقصمه الله كما حدث لفرعون وقارون  وأبي جهل والعاص بن وائل وكسرى والسوفيت وسائر الظلمة والمفسدين ، وأمريكا الآن في الطريق إلى ذلك . قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء .

     وعن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: (العز إزاره والكبرياء رداؤه ، فمن ينازعني عذبته) رواه مسلم ورواه البرقاني في مستخرجه من الطريق الذي أخرجه مسلم ولفظه : (يقول الله عز وجل: العز إزاري والكبرياء ردائي ، فمن نازعني شيئا منهما عذبته) ، ورواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة وحده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قال الله تبارك وتعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار) .

    *من كبرياء الغرب أنهم يتدخلون في كل ما يستطيعون أن يتدخلوا فيه من شؤوننا ، وأخَصِّ خصوصياتنا .  فقبل سنوات نظموا لصلاة الجمعة المختلطة للرجال والنساء، فالخطيبة امرأة والمؤذنة امرأة ،  والمصلُّون خليطٌ في الصفوف من النساء المتبرِّجات والرجال .. وبلغ بهم التمادي إلى حدِّ زعْم محاكاة القرآن بكتاب اختلقوه من الهُراء المُضْحك .

     واليوم يتدخلون في تشريعاتنا ، ويريدون لنا أن نخضع لاتفاقية السِّيْدَاوْ المارقة التي تزعم ضرورة المساواة المطلقة بين الرجال والنساء ، و تصل إباحيَّتُها إلى حدِّ تشجيع ما يُسَمُّونه زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، و يريدون ـ لإنفاذ ما في السِّيْدَاوْ وإزالة ما يزعمونه التمييز ضد المرأة ـ أن نقوم بتعديل سبعة وخمسين قانوناً ،  بمعنى أن نُلْغي الهدى الذي في ديننا .

     وقد بدأ المعجبون بهم من أبناء جلدتنا يحاولون تقنين تحريم الزواج المبكر ، رغم أنه لم يكن عندنا أي إشكال فيه على مدى أربعة عشر قرنا ، ورغم أن الله جعل عدة الصغيرة التي لم تحِض إذا تزوجتْ وطُلِّقتْ ثلاثة أشهر ،كما في سورة الطلاق ، فدل ذلك على إباحة زواج الصغار وأنه لا ضرر من ذلك ، والله الذي خلَق أعلم بمصالح عباده ، ولا يمكن أن يبيح ما يضرُّهم .

     وهذه مؤامرة الغرض منها نشر الفساد بتحريم الزواج الحلال قبل سن الثامن عشرة من أجل دفع الناس إلى الزنا الحرام كما في الغرب . (ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) النساء .

     *والإسلام حريص على مخالفة الكافرين حتى فيما فيه حق كصيام يوم عاشوراء الذي أضاف عليه النبي صلى الله عليه وسلم  من أجل المخالفة صيام تاسوعاء ، ونحن في كل ركعة نتبرأ منهم ، فكيف إذن نتجاوب مع مؤامراتهم ؟!

     إن الغرب المتكبِّر يترنَّح اليوم في أفغانستان والعراق ، وسوف يسقط بإذن الله كما سقط أخٌ له من قبل هو الاتحاد السوفيتي ، وسوف يندم المسارعون في ديارنا لإرضائهم ، عندما يستيقنون أنهم لم يكونوا على شيء .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©