كُتِبَ عليكم الصيام

خطبة جمعة في مسجد قونشلي بإسطنبول في 3 رمضان 1439هـ الموافق 18 مايو 2018م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/siiam.mp3

 

   قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة.

    ما هي التقوَى؟:

     والتقوى هي التزكية والتربية، لقوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس.  وقدَّم سبحانه توضيح التقوى وبيَّن أنها الفلاح بالتزكية والتربية، وأخَّر توضيح الفجور وبيَّن أنه الخَيْبَة بالتَّدسِية وهي الإخمال والإهمال والإخفاء والدَّفْن، أي عكس التزكية.

     والتقوى هي ثمرة العبادات المتنوِّعة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة.

      الصوم من عبادات الصبر المُثْمِرة للتقوى:

     والصوم إحدى العبادات، والصلاة في مقدِّمتها، وقد بيَّن سبحانه بعد بضع آيات من ذكْر التقوى الاستعانة بالصبر والصلاة، فقال تعالى: (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ، وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ، أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ، وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) البقرة، فدلَّ على أن الصوم من عبادات الصبر المُثْمِرة لِلتقوى وللآية السابقة (لعلكم تَتَّقون) ، والحج مثْل الصوم من عبادات الصبر.. يقول فيه سبحانه: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) البقرة.

       رمضان شهر الصبر:

      لا بد أن يخرج المسلم من شهر رمضان وقد حاز صفة الصبر، فنهار رمضان صبرٌ عن الطعام والشراب والرفَث وعن الإساءة للآخرين، للحديث المُتَّفَق عليه: (فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يَرْفُثْ ولا يَصخَبْ، فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتلَه فليَقُل إنِّي صائم)، ولَيْلُ رمضان صبرٌ على قيام رمضان وهي التراويح، ثم على تحرِّي ليلة القدر في العشر الأواخر، ومن ذلك الاعتكاف فيها لِمَن استطاع، فمن لم يخرج من رمضان بصفة الصبر، فكأنه لم يُدْرِك حكمة الصوم، ولم يُحقِّقْها.

      ومن الصبر الخشوع والسكينة في الصلوات وفي التراويح، واجتناب العجلة والتسَرُّع في الأمور، ففي المتَّفَق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) ،           

     وأخرج البيهقي عن أنس: «التأنِّي من الله والعَجَلة مِن الشيطان» وفي الصحيحة أنه حسن .

     وأخرج عبدُ بن حُمَيد والطبراني والضياء عن عبد الله بن سَرْجس: «التُّؤَدَة (وهي التَّأَنِّي) والاقتصاد والسَّمْت الحسَن جزءٌ من أربعة وعشرين جُزءًا من النبوة»، وفي صحيح الجامع أنه صحيح.

     وقد سمَّى الرسول ص رمضان شهر الصبر، فعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : (صَوْم شهر الصَّبْر وَثَلَاثَةِ أَيَّام من كل شهر يُذْهِبْنَ وَحَر الصَّدْر) ، قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: رَوَاهُ الْبَزَّار وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَرَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ، الثَّلَاثَة من حَدِيث الْأَعرَابِي وَلم يُسمُّوه وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا من حَدِيث عَليّ. وشهر الصَّبْر هُوَ رَمَضَان. ووَحَر الصَّدْر هُوَ بِفَتْح الْوَاو والحاء الْمُهْملَة بعدهمَا رَاء هُوَ غشُّه وحِقْده ووَساوِسُه.

       وفي الختام قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة.

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©