شعارات التشرذُمات من أخطر المصطلحات

خطبة جمعة في مسجد جمعية أمة في ٤ من ربيع الأول ١٤٤١هـ الموافق ١ نوفمبر ٢٠١٩م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/shiar.mp3

لسماع الخطبة بصيغة " إم بي ثري " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/mp3/shiar.mp3

 

  القُطرية من شعارات التشرذُمات :

    من شعارات التشرذُمات المستوردة شعار القُطْرية أو الوطنية، وهو لا يتفق مع دين الإسلام العالمي الذي

 يقول الله عنه لنبيه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء . ويؤكِّد سبحانه أنه لا فضل لشعب على

 شعب ولا لقبيلة على قبيلة إلا بالتقوى , قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ

 شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحُجُرات. والتقوى في القلب كما في

 الحديث الصحيح لا يعلم حقيقتها إلا الله ، فهو عليمٌ خبيرٌ كما في آخر الآية ، وأما نحن فنعلم ظواهر الإسلام

 ونبني عليها التعامل ، ولا بد أن يكون الدفاع عن أوطان وديار الإسلام دفاعًا عن الإسلام دون تفريق بينها ،

 وأما التعصُّب لِشعبٍ أو قبيلة ، أو لِقُطْرِ أو وَطنِ أحدِهما فهو تفتيتٌ لِلأمة ، وشعارٌ مُستورَد .. وعلى أساس

 هذا التفتيت منذ ما يقرُب من مائة عام تشكَّلتْ دويلات بحدودٍ وجنسياتٍ وتأشيراتٍ وجوازات ، وعلَم

ونشيد ، وعهودٍ بالدفاع عن الوطن والحدود إلخ ...

 

     الكافرون محافظون على العَمْلَقة والتحالفات:

     وأما غيرنا من الأمم فلا زالوا على تحالفاتهم ودُوَلهم الكبرى وعَمْلَقتهم .. أين الشعوبية مثلًا في الهند أو في

 الولايات المتحدة أو في الصين أو في روسية أو حتى عند اليهود؟ .. لقد ثارتْ حرب ضروس في الولايات

 المتحدة عندما أرادت بعض الولايات الجنوبية الانفصال ، واستمرتِ الحرب ما بين١٨٦١م إلى١٨٦٥م ،

 ويقال إن ضحاياها بلغوا نصف مليون شخص ، ولم تسمح بريطانية بانفصال إيرلندة الشمالية ، ولا ترضى

 روسية أو الصين بانفصال أي ولاية من ولاياتها ، ولا الهند ولا البرازيل ولا المكسيك ، ومنذ متى يحاول إقليم

 الباسك في أسبانية الانفصال ولم تساعده أي دولة من هذه الدول ؟! في حين يثيرون العرقيات والطائفيات

 والشمال والجنوب والشرق والغرب في بلاد المسلمين كما فعلوا في السودان والعراق واليمن وسورية وليبية

 والصومال.. صَمَّمُوا التشَرذُم , وصدَّروا إلينا شعاراته ، ثم صنعوا التعدُّدية على طريقتهم لتقسيم البلد الواحد

 من داخله إلى أحزاب ، وشجَّعوا التيار الإسلامي للانقسام في كل بلد إلى جماعات، وأوجدوا طُعْمًا

 للجماعات بإنشاء أحزاب لممارسة العمل السياسي !! ، وتجدون في البلد الإسلامي الواحد عشرات الأحزاب

 والتيارات والجماعات المتصارعة ، بينما في الدول العملاقة يوجد حزبان غالبًا يتبادلان السلطة كما في أمريكا

 والهند وبريطانية وألمانية وكنَدَا ، وأستراليا ، وفي بعض الأحيان يحكم الدولة الكبيرة حزب واحد باستمرار ،

 كما في روسية والصين ، وتضم هذه الدُّول شعوبًا كثيرة ، بأديان ولغاتٍ مُتَباينة ، ولا يستطيع أحدٌ التآمر

 عليها ، بل سيطروا على العالم ، وحكَموه من خلال منظمة اسمُها يدل على التوحُّد رغم التعدُّد : الأمم

 المتحدة !! ، وأحكموا قراراتها لمصالحهم فقط ، فسيطروا بها على الدول الضعيفة ومعظمها بلاد المسلمين، أما

 الكبرى فلها حق النقض، والتي تليها في القوة ، لا يتآمرون عليها . وإلى ما قبل مائة عام كانتْ دولة الإسلام

 كبرى تضم شعوبًا كثيرة يجمعها الإسلام ، وهو جامعٌ أفضل مما يجمع مثلًا الهند أو الصين أو الولايات المتحدة

 ، وما كان يستطيع أحد التدخل في دولة الإسلام العملاقة في أَوْجِ قوتها تمامًا كأي دولة أخرى .

 

    قيادة المسلمين قدريَّة واحدة في كل الأوقات :

    ولما كثرتْ في المسلمين المعاصي سلَّط الله أعداءهم فمزَّقوا دولة الإسلام إلى دويلات يسهل التحكُّم فيها

 كما يُقَسِّم الطاعم الطعام الكثير إلى وجبَات ، وصدق فينا حديث ثوبان عن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم

: (يوشِكُ الأُمَمُ أنْ تَداعى عليكم ؛ كما تَداعى الأَكَلةُ إلى قَصْعتِها) ، فقال قائلٌ: ومِن قِلَّةٍ نحنُ يومئذٍ ؟ قال:

 (بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، ولَينْزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدُوِّكم المهابةَ منكم، وليَقذِفنَّ اللهُ

 في قلوبِكم الوَهَنَ) . فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ ، وما الوَهَنُ ؟ قال: (حُبُّ الدُّنيا ، وكراهيةُ الموتِ) رواه أحمد

 وأبو داود وذكر الألباني أنه صحيح، وذكر الأرناؤوط أنه حسن .  

     لقد حرص الأعداء أن يسجنُوا الإسلام داخل القفَص الوطني !!.. و أنَّى لهم ذلك ؟! ، إن الإسلام

 مُستعصٍ ، محفوظ يجدِّده الله دائمًا بمَن يؤلِّف الله بين أتباعه ، ويجعلهم أمة واحدة باستمرار ، قال تعالى :

 (وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ - رغم

 اختلاف بُلدانهم- لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

 الأنفال ، وكما ألَّف الله بين المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم فكذلك يؤيد بنصره من يشاء ، بتأليف

 الناس عليه ، وجاءت بعد النبي صلى الله عليه وسلم الخلافة على منهاج النبوة كما في حديث أحمد

 والطيالسي والبزار ، الحسَن عند الألباني والأرناؤوط ، والصحيح عند الحافظ العراقي ، ثم الملك العضوض ،

 ونحن الآن في الملك الجبري ، وستعود الخلافة على منهاج النبوة وهي الحلقة الأخيرة ، لأن الواقع يشهد لِمَا

 مضى ، وسيشهد للحلقة الأخيرة وستكون حتمًا ، قال تعالى: (وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً

 لِّأُولِي الْأَبْصَارِ) آل عمران.

     وقد بقِيتِ دولة المسلمين العملاقة في يد العثمانيين أكثر من ستمائة عام ، وجمع الله عليهم الأمة ، وما

 كان الناس يتوقعون ذلك، وكما قال أحد الدعاة الأتراك : كان الراكب يركب القطار في أيام السلطان عبد

 الحميد من بلغراد في صربية فيمرُّ بصوفية في بلغارية ، ثم يمر بإسطنبول ، ثم بقونية ثم بحلب ثم بدمشق ثم ببيت

 المقدس ثم ينزل في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يسأله أحد عن جوازه ولا عن تأشيرته ، لأنه يتحرك

في أراضي دولة واحدة .

   وتجديد الإسلام وحِفْظه، وتأليف قلوب الناس عليه وعلى قائدٍ واحدٍ في كل زمان ، قَدَرٌ إلهيٌّ.. تمامًا كقَدَر

 التزويج ، ونحوه من الأقدار ، كلٌّ يزعُم ويتَقَدَّم ، ولكن الله يُقَدِّر ويَعْلَم.

 

وكلٌّ يدَّعي وصْلًا بِلَيلَى *** ولَيلَى لا تُقِرُّ لهم بِذاكَا

    وذلك لأن ليلى لا يمكن أن تتزوَّج إلا برجلٍ واحد قد قدَّرهُ الله .. وكذلك قيادة الأمة لا تكون إلا

واحدة ، صالحة أو فاجرة كحال جُمْلة الناس  .

     والقيادة الأخيرة ستكون صالحة لأنها على منهاج النبوة، فعن أبي هريرة قال: شَهِدْنا مع رَسولِ اللَّهِ صلى

 الله عليه وسلم ، فَقالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإسْلامَ: (هذا مِن أهْلِ النّارِ)، فَلَمّا حَضَرَ القِتالُ قاتَلَ الرَّجُلُ قِتالًا

 شَدِيدًا فأصابَتْهُ جِراحَةٌ، فقِيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، الذي قُلْتَ له إنَّه مِن أهْلِ النّارِ، فإنَّه قدْ قاتَلَ اليومَ قِتالًا شَدِيدًا

 وقدْ ماتَ، فَقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إلى النّارِ)، قالَ: فَكادَ بَعْضُ النّاسِ أنْ يَرْتابَ، فَبيْنَما هُمْ على

 ذلكَ، إذْ قيلَ: إنَّه لَمْ يَمُتْ، ولَكِنَّ به جِراحًا شَدِيدًا، فَلَمّا كانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ على الجِراحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ،

 فَأُخْبِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلكَ، فَقالَ: (اللَّهُ أكْبَرُ، أشْهَدُ أنِّي عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ)، ثُمَّ أمَرَ بلالًا فَنادى

 بالنّاسِ: (إنَّه لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وإنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هذا الدِّينَ بالرَّجُلِ الفاجِرِ) . أخرجه البخاري

 واللفظ له، ومسلم.

 

     وفي الختام خاتمة الأمة أفضل الخاتمات :

     وفي الختام يقول سبحانه: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ

 الْكَافِرُونَ , هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©