الصَّدْمة !!

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 21 صفر 1431هـ الموافق 5 فبراير 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/sdma.mp3

    * أعظم حقائق الوجود الإيمان بالله واليوم الآخر قال تعالى : ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) آل عمران . ومن حقائق الإيمان بالله الإيمان بصفاته ، ومنها أنه جبار شديد العقاب ( ويحذَّركم الله نفسه ) آل عمران . ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) آل عمران . ( شديد العقاب ذي الطَّوْل لاإله إلا هو إليه المصير ) غافر . ( إن بطش ربك لشديد ) البروج .  وعذابه في الآخرة أشد العذاب ( فيومئذٍ لا يعذِّب عذابه أحد ، ولا يوثِق وثاقه أحد ) الفجر .  وعذابه النار وبئس القرار ، ( كَلَّا وَالْقَمَر ِ، وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ، وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ، إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَر ِ، نَذِيراً لِّلْبَشَر ِ، لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) المدثر . ( لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ) الزمر .

     * وعندما يصرُخ المرء بالحقائق التي غفل الناس عنها وهم في سكرتهم يعمهون ، فلا بد من الصدمة للتنبيه !! ولا بد من الهزة الكهربائية لإيقاظ صاحب الانفصام !! ولا يعتبر الصارخ متشدَّدا عند إنذاره من الأعاصير المحدقة أو الزلازل المقلقة أو الحرائق المطبقة ، أو الأوبئة الموبقة ، أو الفتن المتدفقة !!

     لقد غفل الناس في خِضَمِّ الاغترار بالدنيا عن عظمة الله وشدة بطشه  وهول جحيمه فلا بد من الصدمة وهي في حقيقتها عين الإنقاذ والرحمة بالناس . ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) فاطر .

   *وليس من التشديد الإغلاظ على الغافلين عن حقائق الإيمان وصدْمهم قال تعالى : ( جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم )التوبة . و من ذلك تحديهم وإظهار تفاهتهم وتهافتهم ، لأن المجنون والمفتون والمأفون والسكران بحاجة للصدمة والردْع والجدِّية والحزْم  ـ وليس للرخاوة والطراوة ـ لأن ذلك فقط يمكن أن يجعله ينتبه من الغفلة ويكف عن الإضرار بنفسه أو بغيره .

     لقد فعل ذلك نوح ، قال تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ) يونس .

     وفعل ذلك هود قال تعالى : ( قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ، إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ، مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) هود .

    وفعل ذلك إبراهيم قال تعالى : ( ...قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) الممتحنة .

     وأُمِر بذلك نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم و بالتحدِّي والمفاصلة ، مع أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وعلى خُلُق عظيم ، لأن إيقاظ الغافلين ، وإنقاذ الهالكين قمة الخُلُق وقمة الرحمة ، قال تعالى : ( وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ، وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ )  هود . وكل التحديات صدمة وإيقاظ و إبراز للثقة بالله والاطمئنان إلى حسن العاقبة . ( والعاقية للمتقين ) يونس .

     *والحوار عندما تتيسر مناسبته إنما هدفه الدعوة وليس التنازلات ، قال تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) آل عمران . جاء في (لسان العرب) : تَعالَ أَي اعْلُ ، ولا يُسْتَعْمَلُ في غير الأَمر ، والتَّعالي الارْتِفاعُ  ، قال الأَزهري : تقول العرب في النداء للرجل تَعالَ بفتح اللام ، وللاثنين تَعالَيا ، وللرجال تَعالَوْا ، وللمرأَة تَعالَي ، وللنساء تَعالَيْنَ ، ... ولا يجوز أَن يقال منه تعالَيْتُ ، ولا يُنْهى عنه .اهـ . وفي (المصباح المنير) : أصله أن الرجل العالي كان ينادي السافل فيقول ( تَعَالَ ) ثم كثر في كلامهم حتى استعمل بمعنى هلُمَّ .اهـ.      وفي الآية نداء بلفظ( تعالَوا ) الذي فيه إشارة إلى أن المطلوب أن يرتفع أهل الكتاب عن مستنقع الشرك والكفر .

     * أما التنازلات فالوعيد عليها شديد ، قال تعالى : ( وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ، وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ، إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ، وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً ) الإسراء .

     * وأمام المؤمرات المكثفة والفتن  في هذا الزمان وشدة كيد الأعداء لا بد أن يحتفظ المسلمون برباطة الجأش ، والتحدّي لنشر الثقة بدين الله ،  وإظهار هشاشة العدو وهشاشة أطروحاتهم  ومواجهتهم بالصدمة ، واللامبالاة بكيدهم ، قال تعالى : ( إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً ، فمهِّل الكافرين أمهلهم رويداً ) الطارق . مع تقوية الصلة بالله والاعتداد بعظمة الإسلام وحماية الله ( فلا تهنوا وتدعو إلى السَّلْم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يَتِرَكم أعمالكم ) محمد .   

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©