سنواتٌ خدّاعات

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 10 جمادى الأولى 1434هـ الموافق 22 مارس 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/sanwat.mp3

    عن أبي هريرة قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يُحدِّث القومَ جاءَهُ أعرابيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ (أَيْنَ – أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ؟) قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : (فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟  قَالَ : (إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) رواه البخاري .

     جاء في الفتح :

    (إذا وُسِّد) أي أُسْنِد ، وأصله من الوِسادة، وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس أن تُثْنَى تحته وسادة، فقوله وُسِّد أي جُعِل لغير أهله وِسَادًا، فتكون إلى بمعنى اللام وأتى بها ليدل على تضمين معنى أُسْنِد . ولفظ محمد بن سنان في كتاب الرقاق من صحيح البخاري (إذا أُسْنِد) وكذا رواه يونس بن محمد وغيره عن فليح ... ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلَبَة الجهل ورفْع العلم في آخر الزمان ، وذلك من جملة الأشراط . ومقتضاه أن العلم ما دام قائما ففي الأمر فسحة. وكأن المصنف أشار إلى أن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر، تلميحا لما رُوِي عن أبي أمية الجُمَحي عند الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مِن أشراطِ الساعةِ أن يُلتَمَس العِلْمُ عند الأصاغر) .

     و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ) أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار وسنده جيّد ، ومِثْله لابن ماجه و الحاكم من حديث أبي هريرة: (تأتي على الناس سنواتٌ خدّاعاتٌ يصدَّق فيها الكاذبُ و يكذَّب فيها الصادقُ و يؤتَمَنُ فيها الخائنُ و يُخوَّن فيها الأمينُ و ينطِقُ فيهم الرُّوَيبضة) قيل : يا رسول الله و ما الرُّوَيبضة ؟ قال : (الرجلُ التافِهُ يتكلَّم في أمْرِ العامَّة) وفي لفظ آخر (السفيه) . أخرجه الحاكم ، و قال هذا حديث صحيح الإسناد و لم يُخرِجاه ، قال الذهبي: صحيح .

     وحديث سمرة: (لا تقوم الساعةُ حتى ترَوا أمورًا عِظامًا لم تحدِّثُوا بها أنفسَكم) وفي لفظ: (يتفاقَم شأنُها في أنفسِكم وتسألون هل كان نبيُّكم ذكَر لكم منها ذِكْرًا) الحديث وفيه: (وحتّى ترَوا الجبالَ تزولُ عن أماكنِها) أخرجه أحمد والطبراني في حديث طويل وأصله عند الترمذي دون المقصود منه هنا.. اهـ. بتصرُّف .

     قال محمد فؤاد عبد الباقي في شرح الحديث عند ابن ماجه:

     (سنوات خدَّاعات) الخداع المكْر والحيلة . ولعلّ المراد أهل السنوات . وقال في النهاية سنون خداعة أي تكثر فيها لأمطار ويقل الريع فذلك خداعها . لأنها تُطْمِعهم في الخصْب بالمطر ثم تُخْلَف . وقيل الخدَّاعة القليلة المطر من خدَع الرِّيق إذا جفّ . ( الرُّوَيبِضة ) تصغير رابضة ، وهو العاجز الذي ربَض عن معالي الأمور وقعَد عن طلبها . وتاؤه للمبالغة . ( في أمْرِ العامّة ) متعلِّقٌ به يَنطِق . اهـ. بتصرُّف . قال الألباني صحيح ، وقال الأرناؤوط حسن .

     جاء في فيض القدير للمناوي :

     وإسناد الأمْر إلى غير أهله يدُلّ على دنوِّ الساعة لإفضائِه إلى اختلال الأمْر والنهي ووهَن الدين وضعف الإسلام وغلَبَة الجهل ورفع العلم وعجْز أهل الحقِّ عن القيام به ونُصْرته . وللساعة أشراط كثيرة كبار وصغار وهذا منها ، رواه البخاري في العلم والرقائق وغيرهما . اهـ. بتصرُّف .

    هذه السنوات نعايِشُها الآن :

     هذه الأحاديث من الإخبار بالغيب و هي معجزاتٌ للنبي صلى الله عليه و سلم .. و ذلك ما نعايِشُه هذه الأيام ، و منه تدخُّل الكافرين و تداعيهم كالأَكَلَة على القصْعة على المسلمين فيُقَرِّرون في كل أمور المسلمين ، و هم أسوأُ الرُّويْبِضات .. و من ذلك تدخُّل مجلِس الأمن و حلْف النّاتُو الغربي في فلسطين و في أفغانستان و في باكستان و في العراق و في الصومال و في السودان و في مالي و في كل مكان ، والآن يريدون التدخُّل في سورية لِمَنْع المجاهدين من النصر و من قطْف ثمار جهادهم ، و كذلك تدخُّلهم في بلدنا كرُعاةٍ للمبادرة الخليجية ، و كان يكفي أن يتدخّل أهل الخليج دون غيرهم فهم مسلمون لاسيما و المبادرة الخليجيّة في الأصل مبادرتُهم .

      و من ذلك أيضًا ماحدَث و يحدُث من تَوَلِّي الرُّويبضات والأشرار والكذَبة و الفسقَة في ديار المسلمين عمومًا و يُقرِّرون أمور الأمة ، و من ذلك أنهم مزّقوها إلى دويلات ، و ربطوها باليهود و النصارى و المشركين ، و يعملون على منْع عودة دولة الخلافة العالمية الكبرى ، و هذا من ضياع الأمانة ، حتى يقال لِلرَّجُلِ كما في حديث حذيفة المتفق عليه : مَا أَجْلَدَهُ ! مَا أَظْرَفَهُ ! مَا أَعْقَلَهُ ! وَمَا فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ .

      و هذا قبْل الدجال أي في فتنة الدهيماء و هي أيضًا فتنة العامة (الشعب) و التافِه الذي يتكلم في أمر العامّة إنما يتكلم في أمْر الشعب و باسم الشعب ، أي أنها فتنة (الديمقراطية) التي تجعل كل الناس أهل حلٍّ و عقْدٍ دون استثناء، و بدون تَدَيُّنٍ و بدون معايير ، و إذا غضِب الله على قومٍ ولَّوْا صِغارهم كما في المَثَل اليمني .

     و في حديث فتنة الدُّهيماء الذي رواه أحمد و أبو داود و الحاكم و غيرهم : (... ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً ، فَإِذَا قِيلَ انْقَطَعَتْ تَمَادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ : فُسْطَاطُ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطُ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ ، إِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ) قال الحاكم  هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، و قال الذهبي صحيح  وكذلك قال الألباني .

      و نجد كثيرين و قد يكونون من العلماء و من الدعاة  يسيرون مع المَوجة و يخوضون مع الخائضين ، و ربما أصَّلوا للديمقراطية و هذا الفساد باسم الإسلام ، وزعموا أن الإسلام يُقِرُّ هذا المنهج ، ثم ينُوحُون و يستنكِرون بعض ثمار الديمقراطية  كقوانين الرّبا و الإعلام و السياحة و اتفاقية الجندر و غير ذلك ، فكيف يُقِرُّون الأصل ، و ينكِرون على الفرْع ؟!!

     إنهم يفعلون ذلك لأنهم يخشَون إذا هاجموا الديمقراطية ذاتها و هي دِين الغرب أن يُحَارَبوا و يُهَمَّشُوا ، و لا يخشَون الله ، فلذلك يمدَحونها و يذُمُّون بعض نتائجها دون أن يَلفِتوا النظر إلى أن هذه الثمار من تلك الشجرة .. يُمارسون الفصل بين المقدّمة و النتيجة .. تلبيسًا على الناس ،  و تعايُشًا مع الباطل ،  تمامًا كما كان أهل الكتاب يفعلون فذمّهم الله بقوله : (يا أهلَ الكتابِ لِمَ تَلْبِسون الحقّ بالباطل...) آل عمران . نسأل الله العافية ، و نعوذ بالله أن نجعل فتنةَ الناسِ كعذابِ الله .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©