أين نحن من رحمةِ الله ؟

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 26 محرم 1435هـ الموافق 29 نوفمبر 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/rahmh.mp3

   قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة ..

     جاء في تفسير ابن كثير :

    لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ الذَّمِيمَةَ، عَطَفَ بِذِكْرِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَحْمُودَةِ، فَقَالَ: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) أَيْ: يَتَنَاصَرُونَ وَيَتَعَاضَدُونَ، كَمَا جَاءَ فِي الصحيح: (المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) متفق عليه ، وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سائر الجسد بالحمى والسهر) متفق عليه .

      وَقَوْلُهُ: (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آلِ عِمْرَانَ .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) أَيْ: يُطِيعُونَ اللَّهَ وَيُحْسِنُونَ إِلَى خَلْقِهِ، (وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أَيْ: فِيمَا أَمَرَ، وَتَرْكِ مَا عَنْهُ زَجَرَ، (أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ) أَيْ: سَيَرْحَمُ اللَّهُ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أَيْ: عَزِيزٌ، مَنْ أَطَاعَهُ أَعَزَّهُ، فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، (حَكِيمٌ) فِي قِسْمَتِهِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِهَؤُلَاءِ، وَتَخْصِيصِهِ الْمُنَافِقِينَ بِصِفَاتِهِمُ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ فِي جَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

      جاء في تفسير الشوكاني :

     (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أَيْ: قُلُوبُهُمْ مُتَّحِدَةٌ فِي التَّوَادُدِ، وَالتَّحَابُبِ، وَالتَّعَاطُفِ بِسَبَبِ مَا جَمَعَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَضَمَّهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَوْصَافَهُمُ الْحَمِيدَةَ كَمَا بَيَّنَ أَوْصَافَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ: بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الشَّرْعِ غَيْرَ مُنْكَرٍ، وَمِنْ ذَلِكَ تَوْحِيدُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَتَرْكُ عِبَادَةِ غَيْرِهِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ أَيْ: عَمَّا هُوَ منكَرٌ في الشرع غير معروف، وَخَصَّصَ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ بِالذِّكْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ لِكَوْنِهِمَا الرُّكْنَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى هَذَا .

    وَيُطِيعُونَ اللَّهَ فِي صُنْعِ مَا أَمَرَهُمْ بِفِعْلِهِ أَوْ نَهَاهُمْ عَنْ تَرْكِهِ، وَالْإِشَارَةُ بِـ (أُولئِكَ) إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْمُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَالسِّينُ فِي (سَيَرْحَمُهُمُ) اللَّهُ لِلْمُبَالَغَةِ  فِي إِنْجَازِ الْوَعْدِ (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ) لَا يُغَالَبُ (حَكِيمٌ) فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَفْصِيلَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الرَّحْمَةِ إِجْمَالًا، بِاعْتِبَارِ الرَّحْمَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ .

     وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) قَالَ: يَدْعُونَ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالنَّفَقَاتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ ، (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عَنِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ قَالَ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، كَتَبَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

    وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) قَالَ: إِخَاؤُهُمْ فِي اللَّهِ، يَتَحَابُّونَ بِجَلَالِ اللَّهِ وَالْوِلَايَةِ لِلَّهِ ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ.

      جاء في تفسير السعدي :

     لمَّا ذكر أن المنافقين بعضهم أولياء بعض ، ذكَر أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، ووصَفهم بضد ما وصف به المنافقين، فقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ) أي: ذكورهم وإناثهم (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) في المحبة والموالاة، والانتماء والنصرة.

     (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وهو: اسم جامع، لكل ما عُرِف حسنه، من العقائد الحسنة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، وأول من يدخل في أمرهم أنفسُهم، (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو: كل ما خالف المعروف وناقَضَه من العقائد الباطلة، والأعمال الخبيثة، والأخلاق الرذيلة.

     (وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أي: لا يزالون ملازمين لطاعة الله ورسوله على الدوام.

     (أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ) أي: يدخلهم في رحمته، ويشـملهم بإحسانه. (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .

     جاء في الظلال :

    إذا كان المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض.. جِبِلَّةً واحدة وطبيعةً واحدة.. فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض . إن المنافقين والمنافقات مع وحدة طبيعتهم لا يبلُغون أن يكونوا أولياء بعضهم لبعض. (بل بعضهم من بعض كما في الآية) ، فالولاية تحتاج إلى شجاعة وإلى نجْدة وإلى تعاون وإلى تكاليف. وطبيعة النفاق تأبَى هذا كله ، ولو كان بين المنافقين أنفسهم.

     إن المنافقين أفراد ضِعافٌ مهازيل، وليسوا جماعة متماسكة قوية متضامنة، على ما يبدو بينهم من تشابهٍ في الطبيعة والخلُق والسلوك. والتعبير القرآني الدقيق لا يُغفِل هذا المعنى في وصف هؤلاء وهؤلاء..(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) ..(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) .   

     إن طبيعة المؤمن هي طبيعة الأمة المؤمنة ، طبيعة الوحدة وطبيعة التكافل، وطبيعة التضامن، ولكنه التضامن في تحقيق الخير ودفع الشر.

     (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) .. وتحقيق الخير ودفْع الشر يحتاج إلى الولاية والتضامن والتعاون ، ومن هنا تقف الأمة المؤمنة صفّاً واحداً، لا تدخل بينها عوامل الفُرقة، وحيثما وجدت الفُرقة في الجماعة المؤمنة فثمَّة ولا بد عنصر غريب عن طبيعتها، وعن عقيدتها، هو الذي يدخل بالفُرقة ، ثمة غرض أو مرَض يمنع السِّمَة الأولى ويدفعها ، السِّمة التي يقررها العليم الخبير! (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) .. يتَّجِهون بهذه الولاية إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعلاء كلمة الله، وتحقيق الوصاية لهذه الأمة في الأرض.

    (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ..الصلة التي تربطهم بالله. (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) ..الفريضة التي تربط بين الجماعة المسلمة، وتحقق الصورة المادية والروحية للولاية والتضامن.

    (وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ..فلا يكون لهم هوًى غير أمر الله وأمر رسوله، ولا يكون لهم دستور إلا شريعة الله ورسوله. ولا يكون لهم منهج إلا دين الله ورسوله، ولا يكون لهم الخيرة إذا قضى الله ورسوله.. وبذلك يوحِّدون نهجهم ويوحِّدون هدفهم ويوحِّدون طريقتهم، فلا تتَفَرق بهم السبُل عن الطريق الواحد الواصل المستقيم .

    (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ) ..والرحمة لا تكون في الآخرة وحدها، إنما تكون في هذه الأرض أولاً ورحمة الله تشمل الفرد الذي ينهض بتكاليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة  ،وتشمل الجماعة المكوَّنة من أمثال هذا الفرد الصالح.. رحمة الله في اطمئنان القلب، وفي الاتصال بالله، وفي الرعاية والحماية من الفتن والأحداث.

     ورحمة الله في صلاح الجماعة وتعاونها وتضامنها واطمئنان كل فرد للحياة واطمئنانه لرضاء الله.

     إن هذه الصفات الأربع في المؤمنين: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، لَتُقابِل من صفات المنافقين: الأمر بالمنكر ، والنهي عن المعروف ، ونسيان الله ، وقبْض الأيدي.. وإن رحمة الله للمؤمنين لَتُقابِل لعنته للمنافقين والكفار.. وإن تلك الصفات لَهِي التي وعد الله المؤمنين عليها بالنصر والتمكين في الأرض ليحققوها في وصايتهم الرشيدة على البشرية .

     (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ..قادرٌ على إعزاز الفئة المؤمنة ليكون بعضها أولياء بعض في النهوض بهذه التكاليف، حكيمٌ في تقدير النصر والعزة لها، لتصلح في الأرض، وتحرُس كلمة الله بين العباد.

    وإذا كان عذاب جهنم ينتظر المنافقين والكافرين، وكانت لعنته لهم بالمرصاد، وكان نسيانه لهم يدمغهم بالضآلة والحرمان. فإن نعيم الجنة ينتظر المؤمنين..

    واقِعُنا في ضوءِ الآيات :

    1- أين الولاء بين المؤمنين الذي لا يعرف الحدود ولا الاستقلال ولا الوطنية ؟ ولا سائر عناصر التفريق من دساتير وقوانين وجنسيات وتأشيرات ؟ و لايعرف الأَعلام الغُثَائِية المتكاثِرة ولا التَّمايُز ولا الأَثَرَة ولا الطبقيّة ولا غير ذلك من نتائج اتفاقية سايكس بيكو ؟ .. أين كسْر كل هذه الحواجز ولو بمُجرّد الكلام و البيان ابتداءً ، حتى يحصُل الولاء الكامل للبُنيان الواحد والجسد الواحد ؟.

     لقد طردتْ بعض الدّوَل المجاورة عشرات الآلاف من اليمنيين ، والمنتظَر أن يصل العدَد إلى مئات الآلاف واليمنيون يَئِنُّون من هذه المعاملة .. ولكن دولة اليمن مُمْتَعِضَةٌ من مليونِ صوماليٍّ لاجئين في اليمن في حين إن المهاجرين من الصحابة من مكة شارَكوا الأنصار في المدينة في ممتلكاتهم ، بل صار المهاجرون فيما بعد هم الحكام ! وهذا هو الإسلام..  فأين الولاء اليوم؟

     2- أين ثِمار الولاءِ ومنها التعاوُن على التغيير بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ بمعنى العمل على التغيير المنضبِط بالشرْع وفي ضوء منهج الشرْع ومصطلحاته ؟ وأين الآلِيَّات الشرعية الفقهية لهذه الفريضة في الواقع؟ والتقصيراتُ والمنكراتُ تملأُ الفضاء في كل الجوانب ؟ إلى متى سيظل ضجيج التغييرات الوضْعية التي آلِيَّاتها ومرجعيَّتُها الأهواءُ المحليَّةُ والغربية  ؟ كالحريّة والثوريّة والمدنيّة والديمقراطيّة والإنسانيّة والدستوريّة والقانونيّة !! وكل تيارٍ وكل بلدٍ يُفسِّرها حسَب ما يَراه .. أليست المصطلحات الشرعية لها مَراجِعها الشرعية الثابتة ؟ وأهل الحل والعقد يختارون منها الاجتهادات كما فعلت الدول الإسلامية الكبرى على مدَى القرون فأقامتْ أعظمَ الحضارات.

     3- ما هي آلِيَّاتُ إقامة شعيرة الصلاة في المجتمع حتى تكون ظاهرةً في الأسواق والإعلام وسائر وجوه الاهتمام الرسْمي والشعبي ؟ ، و ما هي آلِيَّاتُ جمْع الزكاة وصرْفها لجميع المحتاجين حتى لا يحتاج الناس لغيرها ؟ بدلًا عن الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي ملأت المجالات وصارتْ بالآلاف ونتجتْ عن بعضها سلبيّاتٌ وفسادٌ دون أن تُغْنِيَ غَنَاءَ الزكاة ؟..

     الصلاة والزكاة علاقتان بالله وبالناس وهما أساس تَمْتين الولاء و إِسْمَنْتُ التمكين ، وظهيرانِ للتغيير الإيجابي .

     4- أين رحمةُ الله التي نتطلَّع إليها في الدنيا ؟ ثم في الآخرة ؟ .. إذا تَخَلَّفتْ صِفَةٌ من الصفات المذكورة  تخلَّفَت الرحمة وحلَّ العذاب كما هو حاصلٌ في الاختلالات الهائلة في بلاد الإسلام وتداعياتِها المُزَلْزِلةِ المُتَسارِعة في مُتواليةٍ مُتهاويةٍ على الدوام ، وعذاب الآخرة أعظم . قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) طه . وقال سبحانه : (لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) الرعد .

     و في تفسير الشوكاني :  أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَجَارَ اللَّهُ تَابِعَ الْقُرْآنِ مِنْ أَنْ يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا أَوْ يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ ، ثُمَّ قَرَأَ: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) قَالَ: لَا يَضِلُّ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ.  وهذا كقوله تعالى : (هلْ جَزَاءُ الإِحسانِ إلَّا الإِحسانُ) الرحمن ، وقوله تعالى : (للذين أحْسَنُوا في هذِه الدنيا حسنةٌ ولَدَارُ الآخِرةِ خير) النحل  .

     وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً قَالَ: (عَذَابُ الْقَبْرِ) . قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ: إِسْنَادٌ جَيِّدٌ. اهـ . كلام الشوكاني بتصرُّف .

     5- (إن الله عزيز حكيم) ، فأين الالتزام بالصفاتُ المذكورة التي يمنح الله العِزّة بسببها للمتَّصفين ، كما حصل ذلك في الماضي ؟ .. إن العزة عائدةٌ إن شاء الله  بالخلافة على منهاج النبوة التي ستَلْتَزِم هذه الصفات .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©