رحِمَ اللهُ امْرَأً أرَاهُم مِن نَفسِهِ قُوَّة

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 9 شوال 1434هـ الموافق 16 أغسطس 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/qoa.mp3

      الرمَل في الطواف لِمَقْصِدِ إظهارِ القوّة أمام العدوّ :

      عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ . متفق عليه .

     ولفظ مسلم : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:  قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ .

      وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَمَلَ بِالْبَيْتِ، لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ . متفق عليه .

     وعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّمَلَ بِالْبَيْتِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشْيَ أَرْبَعَةِ أَطْوَافٍ، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ فَقَالَ: صَدَقُوا، وَكَذَبُوا، قَالَ قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنَ الْهُزَالِ، وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثًا، وَيَمْشُوا أَرْبَعًا... رواه مسلم .

    أخبر زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِلرُّكْنِ: أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ ، فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَالَ: فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ المُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ . رواه البخاري .

     قال الحافظ : اسْتُشْكِلَ قَوْلُ عُمَرَ (رَاءَيْنَا) مَعَ أَنَّ الرِّيَاءَ بِالْعَمَلِ مَذْمُومٌ  ، وَالْجَوَابُ أَنَّ صُورَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ صُورَةَ الرِّيَاءِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مَذْمُومَةً ، لِأَنَّ الْمَذْمُومَ أَنْ يُظْهِرُ الْعَمَلَ لِيُقَالَ إِنَّهُ عَامِلٌ وَلَا يَعْمَلُهُ بِغَيْبَةٍ إِذَا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ، وَأَمَّا الَّذِي وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُخَادَعَةِ فِي الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ أَوْهَمُوا الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ أَقْوِيَاءَ لِئَلَّا يَطْمَعُوا فِيهِمْ وَثَبَتَ أَن الْحَرْب خدعة .

     إن إظهار قوة المسلمين أمام الكافرين مقصِدٌ شرعي ، ولذلك أمر به النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه في عُمرة القضاء من أجل ألّا يسْتَضْعِفهم المشركون ، وبقيتْ هذه السُّنَّة ثابتة رغم زوال سببها ، للتذكير عتد أدائها وذِكْرها بسببها المهمّ الذي هو مقصِدٌ شرعي ، قال تعالى : (تُرهِبُون به عدوَّ اللهِ وعدوَّكم ، وآخَرين من دونِهم لا تعلمونهم ، اللهُ يَعْلَمُهم) الأنفال .

     دروس من الآيات الآتية التي في سورة الأنفال :

    قال تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ :

     ومناهج الكافرين مثْلهم دوابِّيَّةٌ حيوانيّة شِرِّيرة ، ومن ذلك الديمقراطية : التي تُسَوِّي بين المسلم والكافر ، وبين الرجل والمرأة ، وبين الرأي والرأي ، والصوت والصوت ، بغض النظر عن الحق والباطل ، لأنهم ينظرون إلى الإنسان دابّةً أوحيوانا بلا عقيدة جادَّة ، وبلا مَهمَّة في الحياة (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ...) الروم.

     فلا يَكتَرِثون للعقائد ولا للعلاقة بالخالق ولا للاستسلام لحُكْمه  ، بل يُشَجِّعون اللادينيّة و التمرُّد والإباحية و الجندر و منه الزواج المثلي ، ولا يكترثون لِلقيَم و لا للأخلاق ولا لِحقوق الآباء والأمهات..!!  و يعتبرون مع إخوانهم المنافقين أسْلَمَة الدولة جنايةً ، وارتكبوا لذلك المجازر لِإيقاف الأسْلمة في مصر !! .

     فهل يجوز الإعجاب بلا مبالاتهم ومناهجهم العبَثية  الحيوانية التي يزعمونها حضارة..؟ وكيف ننتظر النصر ونحن نتداخل معهم في جُحْر الضبّ والإصطبل؟!!

      الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ :

     كم من مواثيق وقرارات وتدخُّلات لهم باسْم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية كما في فلسطين وكشمير والسودان وسورية ونجدهم لا ينفِّذون شيئًا ، وعلى جراحنا يتفرّجون دومًا ويرقُصون .

      فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ، وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ، وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ :    

       إن العلاج هو تلقينهم دروس القوّة ، والمبادرة بإلغاء المعاهدات والمواثيق التي يصنعونها دجْلًا لمخادعتنا ، وبها يتآمرون علينا ، ويستفْرِدون بكل بلد ليتدخَّلوا في شؤونه كما حصل في مصر أخيرًا، عندما خطّطوا فيها مع إخوانهم المنافقين لِلمجازر المروِّعة ومن قبْلها سورية ، وعلينا ألّا نخشَى قوّتهم فإنهم لا يُعجزونَ .

     وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ:

      لابد من إعداد القوة الوقائية الرادعة لإرهاب الغربيين الكافرين وحلفائهم اليهود ، و كذلك إرهاب إخوانهم المنافقين الداعمين لهم بأموال المسلمين ( مَوَّلوا مثلًا انقلاب مصر) ، فلا ينفع غير ذلك ، ومحاولة التغيير في الأنظمة الداعمة نفسها ، كما فعل عليه الصلاة والسلام في إحباط المؤامرات اليهودية النفاقية بإجلاء اليهود.

      وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ :

      وإذا جنَحوا للسلام فيوافق المسلمون من مركز قوّة ، حتى لا يتمكَّن العدوّ من جنْي ثمار الخداع .

     وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :

     ولا بد من التوبة والتزام شرع الله لكي يؤلِّف الله بين المؤمنين فيكونوا دولة واحدة كبرى كما كانوا من قبل لكي يصدُّوا المؤامرات ، لأن المسلمين لا يستطيعون مواجهة الدول الكبرى الكافرة إلا بدولة كبرى .. وليس بحالهم الآن في التفرُّق في الجنسيّات والعصبيّات والحزبيّات والولاءات الضيّقة والدويلات .

     يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ، الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ :

     وهذه معايير وضوابط المواجهة مع الأعداء التي لا مفَرّ منها .

    مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنفال :

     لاجدوى في مواجهة الكافرين إلّا بالإثخان في المواضِع المشروعة ، لأنهم يعاملوننا بالإثخان ، و لا يَرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذِمَّة ،  فلا بد من المعاملة المُمَاثِلة ويصبح الإثخان فريضة ، و التساهل فيها يودِّي إلى تعجيل العقوبة كما هو حاصل .

     وهذه المجازر وحرب الإبادة في الشام وغيرها ، والحصار الأشدّ من أيّ وقت مضَى لِمليونَي نسمة في غزة ، أعظم دليلٍ على ذلك  .

    قال أبو القاسم الشابي :

لا عَدْلَ إلّا إنْ تَعادَلَتِ القُوَى  ***  وتَصادَم الإرهابُ بالإرهابِ

      وفي الختام يقول سبحانه :

     (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ، الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) البقرة .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©