القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 11 ربيع الآخر 1431هـ الموافق 26 مارس 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/qlb.mp3

    تقلُّب القلوب وارتفاع الخشوع :

    *إن القلوب غير مستقرة.. قال تعالى : ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) الأنفال .

     وعن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) فقلت : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ قال: ( نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كما يشاء ) رواه أحمد والترمذي و ابن ماجه وأبو يعلى والحاكم وغيرهم ، وقال الذهبي على شرط مسلم وكذلك الأرناؤوط ،وقال الألباني صحيح .

      وعن جبير بن نفير قال : حدثني عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر الى السماء يوما فقال : ( هذا أوانُ يُرفَع العلم ) فقال له رجل من الأنصار يقال له لبيد بن زياد : يارسول الله يُرفع العلم وقد أُثْبِتَ ووعتْه القلوب ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنْ كنتُ لأحسبُك من أفقه أهل المدينة ) ثم ذكـر اليهود والنصارى على مـا فـي أيديهم من كتاب الله ( يعـني ولـم يستفيدوا منه ) .

     قال : فلقيت شداد بن أوس فحدثته بحديث عوف بن مالك ، فقال : صدق عوف ألا أدلُّك بأول ذلك ؟ يُرفع الخشوع حتى لا ترى خاشعا .رواه ابن حبان والحاكم  وقال على شرطهما ووافقه الذهبي و رواه ابن ماجه بنحوه ،  و قال الألباني و الأرناؤوط صحيح .

     اضطراب القلوب كغلَيان القِدْر وكالريشة:

    * عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم مصرِّف القلوب صرِّفْ قلوبنا على طاعتك ) رواه مسلم .

     وعن المقداد بن الأسود قال ما آمن على أحد بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لَقلبُ ابن آدم أسرع تقلُّباً من القدر إذا استجمعت غليانا ) رواه أحمد و ابن أبي عاصم والحاكم وقال على شرط البخاري ووافقه الذهبي . وقال الألباني صحيح والأرناؤوط حسن .

     وعن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة ، تقلبها الريح ظهرا لبطن ) رواه ابن أبي عاصم وابن ماجه ، قال الألباني: إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم ، والحديث أخرجه أحمد ثنا يزيد قال أنا الجريري به وله عنده إسناد آخر صحيح .

     إثبات صفة الأصابع لله بلا تأويل ولا تفويض.. والله قدير لا يعجِز:

     وفي هذا الحديث إثبات صفة الإصبع لله ، ولا قرينة للمجاز ولا للتأويل بل نثبتها كالسلف ونُمِرُّها كما جاءت مع اعتقاد أن الله ليس كمثله شيء .. ومما يؤكد أنها على الحقيقة أن الأصل حمْل الكلام على الحقيقة وكذلك تثنية الإصبع ، وثبوت الأصابع في حديث آخر عن عبد الله أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال على إصبع ، والشجر على إصبع  ، والخلائق على إصبع ، ثم يقول أنا الملك . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قرأ ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) الزمر .

     وفي البخاري قال يحيى بن سعيد وزاد فيه فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجُّباً وتصديقاً له .رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وغيرهم .

     قال أحمد الدورقي: سمـعت وكيعاً يقول نسـلِّم هذه الأحاديث كما جـاءت ولا نقـول كيف كذا ؟ ولا لِمَ كذا ؟ يعني مثل حديث: ( يحمل السموات على إصبع ) و( قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ) .. نقله الذهبي في كتاب (العلُوّ) وقال الألباني صحيح .

     فلا تفويض في معنى كلام الله في الصفات لأنه إنما أُنزِل للفهم والتدبر وهو بلسان عربي مبين ، إنما التفويض في الكيف ، فالمعنى في الصفات غير مجهول ، والكيف غير معقول كما ورَد عن كثير من السلف ،  والله خلق آدم على صورة الرحمن إلا أنه ليس كمثله شيء ، ولا يعجِز الله عن تفهيمنا وإيصال مراده من المعنى إلينا حتى نحتاج للتأويل والتفويض .

    كما أنه على كل شيء قدير ، لا يعجِز عن فِعْل ما يشاء ، ومن عجائب قدرته أنه يقدر على رفع تلك المخلوقات الهائلة على الأصابع ، كما يقدر على تقليب القلوب الصغيرة جدا بالنسبة لتلك المخلوقات بين إصبعين ، ويقلبها كلها في وقت واحد .

    الحذَر المستمر:

    وبسبب تقلب القلوب كم من الكافرين كفروا وهم يعلمون الحق كإبليس وفرعون وأبي جهل والوليد بن المغيرة وحيي بن أخطب ورامْسْفيلد ( وزير الدفاع الأمريكي الذي قال عن المجاهدين في العراق : نحن نعلم أن الرّبّ معهم ، ولكننا سنغلبهم!! ) قال تعالى : ( فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ) الأنعام . وقال تعالى : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة . وقال تعالى : ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) الأنعام .

     بل كم قد خُتِم لأناسٍ مسلمين بخاتمة السوء كما في الصحيحين وغيرهما : ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة  فيما يبدو للناس ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار قيدخلها ) . وذلك بسبب إدمان الذنوب والإصرار عليها ، قال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور.

    بل كم قد زلَّ وضلَّ علماء من هذه الأمة كعلماء أهل الكتاب الذين يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم .. عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أكثر منافقي أمتي قراؤها ) رواه أحمد والطبراني والبيهقي وقال الألباني والأرناؤوط حسن .

     وبذلك نعرف سر تكرار سؤال الهداية في الفاتحة في كل ركعة ، و نعرف أننا في أمس الحاجة لاستحضار ذلك المعنى ، قال تعالى : ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) الأعراف . و نعرف أن علينا أن نحذر من الاتّكال على أنفسنا .. عن أبي بكرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( دعوات المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تَكِِلْني إلى نفسي طرْفةَ عين ، و أصلحْ لي شأني كله لا إله إلا أنت ) رواه أحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) وابن حبان وغيرهم .قال الألباني والأرناؤوط حسن .

    و قال تعالى : ( أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )الأعراف.  وقـال تـعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )المؤمنون .

    ومن الوجل الخشوع وهو العلم المطلوب .. عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء : قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال : (هذا أوانُ يُختَلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء) فقال زياد بن لبيد الأنصاري :كيف يختلس العلم منا وقد قرأنا القرآن ، فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا . فقال: ( ثكلتك أمك يا زياد، إنْ كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة ، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم؟ قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت قلت ألا تسمع إلى مايقول أخوك أبو الدرداء ؟ فأخبرته بالذي قاله أبو الدرداء . قال : صدق أبو الدرداء إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس؟ الخشوع..يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلا خاشعا.رواه الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، وقال الألباني صحيح .

     إن العلم الحق هو الخشوع قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا , وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ، وَيَخِرُّون للأَذْقَانِ يَبْكُون وَيَزِيْدُهُم خُشُوعاً) الإسراء .   وقال تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ , الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الحج .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©