لا يدري القاتِل ولا المَقتُول

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 3 صفر 1435هـ الموافق 5 ديسمبر2013هـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/qatl.mp3

    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ) رواه مسلم.

    وقد رواه ابن أبي شيبة موقوفًا، ولفظه : قال: تَقْتَتِل هذه الأُمة؛ حتى يَقْتُل القاتِل لا يدري على أيِّ شيء قتَل ، ولا يدري المقتول على أي شيءٍ قُتِل .

     وفي رواية لمسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ) فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: (الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّار) . وليس المقصود في هذه الرواية القتال الجهادي وإنما المقصود القتال العَشْوائي بين الدُّنْيَوِيين أو ما يُظَنّ أنه كذلك قبل أن يتبيَّن بوضوح أنه قتالٌ دينيٌّ مثل قتال البُغاة فإنه دينيٌّ مأمورٌ به وهو بين مُسلمِين عملًا بقوله تعالى: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) الحُجُرات  ..

     وفي الحديث المتفق عليه عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ) ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ: (إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) ، وكان استدلال أبي بكْرة رضي الله عنه بهذا الحديث اجتهادًا منه ، قبل أن يتَبَيَّن أن الحقَّ مع عليٍّ رضي الله عنه .

     قال ابن أبي شيبة في (المصنّف) حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ عَوْفٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الزُّبَيْرِ أَيَّامَ الْجَمَلِ ، فَقَالَ : أَقْتُلُ لَكَ عَلِيًّا ، قَالَ : وَكَيْفَ ؟ قَالَ : آتِيهِ فَأُخْبِرُهُ أَنِّي مَعَهُ ، ثُمَّ أَفْتِكُ بِهِ ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ : لاَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (الإِيمَانُ قَيَّد الْفَتْك ، لاَ يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ) . رواه ابن أبي شيبة من مراسيل الحسن ، و رواه الطبراني في الأوسط موصولًا ورجاله ثقات كما قال محمد عوَّامة . والفتْك: أن يأتي الرجلُ الرجلَ وهو غارٌّ غافل ، فيَشُدَّ عليه فيقتلَه كما في النهاية .

     وفي مسند أحمد قَالَ رَجُلٌ لِلزُّبَيْرِ: أَلا أَقْتُلُ لَكَ عَلِيًّا؟ قَالَ: كَيْفَ تَقْتُلُهُ؟ قَالَ: أَفْتِكُ بِهِ. قَالَ: لَا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ) و في هامش مسند أحمد بإشراف التركي أنه صحيح .

     وعند الترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو : (لزوالُ الدنيا أهونُ على اللهِ من قتْل رجلٍ مسلم) . قال الألباني صحيح .

     وعن البراء بن عازب رضي الله عنهـ أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال : (لزوالُ الدنيا أهونُ على اللهِ من قتْلِ مؤمنٍ بغيرِ حق) قال الألباني : رواه ابن ماجه بإسناد حسن ورواه البيهقي والأصبهاني ، وزاد فيه : (ولو أن أهلَ سماواتِه وأهلَ أرضِه اشترَكوا في دمِ مؤمنٍ لأدخلَهم اللهُ النارَ)

وفي رواية للبيهقي قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : (لَزوالُ الدنيا جميعًا أهونُ على اللهِ من دمٍ يُسفَك بغيرِ حقٍّ) قال الألباني صحيح لغيره .

     حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيُقْتَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلْفَ قَتْلَةٍ ، فَقَالَ لَهُ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ : يَا أَبَا زُرْعَةَ ، أَلْفَ قَتْلَةٍ ، قَالَ : بِضُرُوبِ (أيْ أنواعِ) مَا قَتَلَ . رواه ابن أبي شيبة .

     عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقومُ الساعة حتى يَمُرَّ الرجلُ بِقبْر الرجلِ فيقول: يا ليتني مكانَهُ!) . رواه مالك وأحمد والشيخان . زاد أحمد في رواية له: (ما به حُبُّ لِقاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ) . وفي هامش مسند أحمد بإشراف التركي : أي لا يقول ما يقوله تَديُّناً وحُبّاً لِلقاء الله، وإنما الذي يحمله على ذلك البلاءُ وكثرة المِحَن والفتن.

     وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلَّا الْبَلَاءُ) .رواه: مسلم وابن ماجه.

      قال الحافظ في الفتح :

      قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَخْذُ الْحُكْمِ مِنَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ (وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِنَّمَا هُوَ الْبَلَاءُ) فَإِنَّهُ سِيقَ مَسَاقَ الذَّمِّ وَالْإِنْكَارِ ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ فُعِلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الدِّينِ لَكَانَ مَحْمُودًا ، وَيُؤَيِّدُهُ ثُبُوتُ تَمَنِّي الْمَوْتِ عِنْدَ فَسَادِ أَمْرِ الدِّينِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ : لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ بَلْ فَعَلَهُ خَلَائِقُ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعِيسَى الْغِفَارِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ... اهـ . 

     يُؤَخَذُ من الحديث :

    1- كثرة القتْل في الأُمَّة فيما بينها ومن خارجها في آخر الزمان نوعٌ من البلاء والعقاب ، حتى لا يسْلَم المرضَى ولا الكبار في السِّن ولا الأطفال ولا النساء ، ومن ذلك بالطائرات بدون طيار ، وبالتفجيرات ، وبالاغتيالات ، وبحروب الأرض المحروقة ، كما في الباكستان وأفغانستان والصومال والعراق والسودان وسورية ومصر واليمن وليبية وتونس وغيرها في هذه الأيام ، وكلها من تخطيطات الأعداء ، وإلّا لماذا لا يوجد مثل ذلك في ديارهم ؟ فمخطَّطات الأعداء في الحوارات ماضية ، وفي المؤمرات ماضية ، وما تحقَّق من أهدافهم عن طريق الحِوار فهو مكسب لهم ، وما تحقَّق من أهدافهم عن طريق المؤامرات فهو مكسب .. فيرعَون لنا مؤتمراتِ الحوار ، ويَدَبِّرون لنا المؤمرات بمحاولات الانقلابات و بإثارة الحروب ، كما هو حاصلٌ في في بلدنا هذه الأيام .

     ويوم أمس كانت إحدى محاولات الانقلاب الدمويّة في مجمع وزارة الدفاع ، ومن قبل ذلك محاولة في أيام عيد الأضحى!!.. ولو رجَع الناس إلى ربِّهم لأصلَح أحوالَهم ، وجنَّبَهم مكايد الأعداء، قال تعالى: (إن تَتَّقوا اللهَ يَجْعَل لكم فُرْقانًا ويكفرْ عنكم سيِّئَاتِكم ويَغْفِرْ لكم) الأنفال.

     2- نِسيان الشرْع أو بعضِه سبَبٌ للعداوات والاقتِتال ، قال تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) المائدة .

      3- الغالب أن كثيرًا من الناس سيظلُّون في غيِّهم ، وسيظلُّ التسلُّط الأجنبي في إذكاء الفوضى الخلَّاقة حتى يأْذَنَ الله بالفرَج .. والعلاج في أمرين ، وسيأخذ به قِلَّةٌ من الناس :

     الأول : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء ما في النقطتين السابقتين .

     و الثاني في التوبة النصوح والاستغفار .

     وسوف يستثني الله الآمِرين الناهِين المستغفِرين ، وإن استمرّ العقاب . قال تعالى : (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) الأعراف . وقال تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الأنفال .

     وفي الختام فإن الفرَج آتٍ بلا ريبٍ رغم المؤمرات ورغم أنوف الكافرين ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©