عقوباتٌ و اغتيالاتٌ بسَبَب التنازلات 

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 16 محرم 1434هـ الموافق 30 نوفمبر 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/oqobat.mp3

     عَلَامَ قَتَلْتَهُ :

     قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ قُلْتُ لِجُنْدَبٍ (بن عبد الله البَجَلي) : إِنِّي قَدْ بَايَعْتُ هَؤُلَاءِ يَعْنِي ابْن الزُّبَيْرِ ، وَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ أَخْرُجَ مَعَهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَقَالَ : أَمْسِكْ ، فَقُلْتُ : إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ ، قَالَ : افْتَدِ بِمَالِكَ ، قَالَ قُلْتُ : إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ إِلَّا أَنْ أُقَاتِلَ مَعَهُمْ بِالسَّيْفِ ، فَقَالَ جُنْدُبٌ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ قَالَ شُعْبَةُ : وَأَحْسِبُهُ قَالَ فَيَقُولُ : عَلَامَ قَتَلْتَهُ ؟ فَيَقُولُ قَتَلْتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلَانٍ) ، قَالَ فَقَالَ جُنْدُبٌ : فَاتَّقِهَا . قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .

     وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سأله سائلٌ فقال يا أبا العباس : هل للقاتل من توبة ؟ فقال ابن عباس كالمعجَب من شأنه ، ماذا تقول ؟ فأعاد عليه مسألته فقال : ماذا تقول؟ مرتين أو ثلاثا ..

 قال ابن عباس سمعت نبيّكم صلى الله عليه وسلم يقول : (يأتي المقتول متعلِّقًا رأسَه بإحدى يديه متلبِّبًا قاتله باليد الأخرى ، تشخُب أوداجُه دمًا حتى يأتي به العرش ، فيقول المقتول لرب العالمين  :هذا قتلني ، فيقول الله عز وجل للقاتل : تَعِسْتَ ، ويُذْهَب به إلى النار) . رواه الترمذي و حسّنه و الطبراني في الأوسط و رُواته رُواة الصحيح و اللفظ له , قال الألباني صحيح  .

      و رواه فيه أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يجيء المقتول آخذا قاتله وأوداجُه تشخَب دمًا عند ذي العِزّة ، فيقول يا ربِّ سلْ هذا فِيمَ قتلَني؟ فيقول : فيمَ قتلتَه ، قال : قتلتُه لتكون العزةُ لفلان ،  قيل هي لله) . قال الألباني صحيح لغيره .

    عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته و رأسه بيده ، و أوداجه تشخَب دما فيقول : يا رب ! سلْ هذا فيمَ قتَلني ؟ حتى يُدْنِيه من العرش) . رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجه و قال الألباني صحيح .

     الذنوب في بلَدنا سببٌ لتسليط من لا يرحمُنا :

     عن ابن عمر قال : قلَّما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معاصيك ، و من طاعتك ما تبلِّغُنا به جنَّتَك ، و من اليقينِ ما تُهوِّن به علينا مصيبات الدنيا ، و متِّعْنا بأسماعنا و أبصارنا و قوتنا ما أحيَيْتنا ، و اجعله الوارثَ مِنّا ، و اجعل ثأرَنا على من ظلَمنا ، و انصرنا على من عادانا ، و لا تجعل مصيبتَنا فى ديننا ، و لا تجعل الدنيا أكبَر همِّنا ، و لا مبْلَغ عِلْمنا ، و لا تسلِّط علينا من لا يرحمُنا) . و اجعله الوارث منا : أى أبقي السمع و البصر صحيحًا سليمًا ملازمًا لنا إلى الموت لزوم الوارِث لمورِّثه .

     أخرجه ابن السنى فى عمل اليوم و الليلة و ابن المبارك فى الزهد و الترمذى و قال حسن غريب  و الحاكم و قال صحيح على شرط البخارى و أخرجه أيضًا النسائى فى الكبرى و الديلمي.

     قال المناوى فيه عبيد الله بن زحْر ضعفوه ، قال فى المنار فالحديث لأجله حسن لا صحيح . قال الإمام النووى فى " الرياض " و في "الأذكار" 1 / 276 : قال الترمذى : حديث حسن . و قال الألباني في صحيح الجامع : حسن .

     الناس محتاجون للتوبة من نسيان الشريعة أو نسيانِ حظٍّ منها  حتى لا يسلِّط الله علينا من لا يرحمُنا بالقتْل و غيره ، مِمَّن لا يردعهم دينٌ و لا سُلْطة عدْل :

     إن الناس في بلدنا يحتاجون قبل كل شيء لمؤتمرٍ للتوبة من نسيان الشريعة ، و ليس لمؤتمرٍ للحِوار الذي يراد له أن يكون بدون سقْفٍ  و لا إيديولوجية ، يعني بلا عقيدة ، أي بتكريس نسيان الشريعة ، لأن تَغَيُّر القلوب و الاختلافات و العداوات و الصراعات التي وصلتْ إلى حدّ القتْل و الاغتيالات ، نسأل الله العافية ، هو بسبب إقصاء الشريعة  و نسيانها و لو في بعض المجالات ، قال تعالى : (و من الذين قالوا إنّا نصارَى أخذْنا ميثاقَهم فَنَسُوا حظًّا مِمَّا ذُكِّروا به فأَغْرِيْنا بينَهم العداوَةُ و البغْضَاءَ إلى يوم القيامة) المائدة .

     و قد طال أمَد العداوة عند النصارى إلى يوم القيامة بسبب عدَم التوبة ، و ظهر فيهم مثل هتلر الذي قتَل فيهم مايقرُب من خمسين مليونًا و كان شعاره الصليب المعقوف !!..  و حذِّرنا الله من التشَبُّه بهم قال تعالى : (و لاتكونوا كالذين تفَرَّقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات ، و أولئكَ لهم عذابٌ عظيم) آل عمران  .

    و التوبة بشروطها هي المخْرَج لنا من أنواع العقوبات التي نزلتْ بنا ، قال تعالى : (و ما كان اللهُ مُعَذِّبَهم و هم يَسْتَغْفِرون) الأنفال ،

     المُوضَة الديمقراطية اليوم ، و تنازلات بعض الإسلاميين :

    إن الموضة الديمقراطية اليوم أن الحلّ في الخلاف التشريعي هو في الحوار والتصويت ، رغم أن العلمانيين يتآمرون حتّى على ذلك ، و صار بعض الإسلاميين يبحث عن الإنصاف في ذلك  و أنصاف الحلول ، كما في مصر ، فالإسلاميون يقولون سوف نعجِّل بطرْح القضايا الدستورية التشريعية الخلافية على الشعب للتصويت ، و العلمانيون رغم ذلك لا يوافقون .

     و في اليمن يُطالِب بعض الإسلاميين بتمثيل العلماء في الحوار التشريعي و هم قابلون بعد ذلك بالتصويت ، و مع هذا فالعلمانيون لا يَقبلون ، بمعنى أن العلمانيين يريدون ديمقراطية علمانية خالصة لا يكون فيها دورٌ تخليطيٌّ بين الإسلام مع الديمقراطية و لا أن يكون فيها دورٌ لعلماء الإسلام ، لأنهم مخْلِصون مع ديمقراطيتهم فيريدونها خالِصَة غير مختلطة بغيرها . بمعنى أن بعض الإسلاميين مُخَلِّطون و العلمانيين غير مخلِّطين .

    و تتدخَّل دوَل الكفر عندنا بحجّة الرعاية ، و في مصر يتدخَّلون بالتصريحات بحجة النصيحة ، مع أن هذا الأمر من أخصّ خصوصياتنا لأن التشريع مرتبطٌ بالعقيدة !! و مع ذلك لا تكاد توجد عند كثيرٍ منّا غَيْرَة !! .. و يتعلَّلون بالسياسة .. هل يَقبل منَّا أحدٌ تدَخُّلًا أجنبيًّا أو من أشخاص غرباء في قرار تزويج ابنته مثَلًا ،  و يتنازل متعلِّلاً بالسياسة ؟!! أو في تدخُّلاتٍ في حلول مشاكل بينه و بين زوجته؟!! .. كلّا .. و أين الأهمّ و الأوْلَى بالغَيرة القضايا الشخصية ، أو قضايا العقيدة ؟!!.. و هل تجوز التنازلات في العقيدة بحجّة السياسة ، و لو لم تكن سياسة شرعية ؟! .. و من هم أهل الفتوى في ذلك ؟ و ماهي حدود الضرورة و التنازل؟ ..

     الإسلام لا يقبل بالتخليط و لا بمرجعية التصويت .. و الحلّ :

     الحقيقة أن الإسلام لا يقبل التخليط و لا يقبل بمرجعية التصويت في قضايا تشريعية عقَديّة ، و إنما بمرجعية الكتاب والسنة فقط ، و لا يقبل بأنصاف الحلول ، قال تعالى : (فإن تنازعتم في شيءٍ فرُدُّوهُ إلى الله و الرسولِ إن كنتم تؤمِنون بالله واليوم الآخر) النساء ، و قال تعالى : (أفغيرَ الله أبتغِي حَكَمًا و هو الذي أنزلَ إليكم الكتابَ مُفَصَّلا) الأنعام , و قال تعالى : (و ما اختلفتم فيه من شيءٍ فحُكْمهُ إلى الله) الشورى .

    وإذا كان صاحب أيّ وجاهة لا يقبل من أحدٍ هديَّةً من العسل الفاخر إذا كان مخلوطاً بشيءٍ من السُّكَّر .. فكيف يقْبَل الله الملك الجبّار المتكبِّر الغشّ و الخلْط في دينه ، و هو يقول سبحانه : (ألا للهِ الدينُ الخالص) الزمر . 

     و قد يقول قائلٌ فما هو الحلّ إذا رفَض الآخرون المرجعية الإسلامية ؟ نقول هذه قضية سيادية كما يقولون غير قابلة للنقاش ، و الحلّ فيها هو نفس الحلّ في بذْل كل جهدٍ في منْع التدخّل في شؤونك الخاصة ، و حتى مع العجْز عن الدّفْع  لا مجال للاستسلام و السَّمَاح بالتخليط عن رِضًا أو القبول بالدَّنِيّة .

     و يجب أن تستمِرّ المعارَضة و عدَم التجاوُب و عدَم المُدَاهَنَة أو التنازل أو اللقاء في منتصف الطريق ، كما صمَد النبي عليه الصلاة و السلام و أصحابه في مكّة ، و يجب أن تتَواصَل الكراهيّة و لو بالقلْب عند العجْز حتى يأتي الله بالفَرَج و التمكين لدينه ، و سوف يأتي الله به لأن الله حافظٌ دينه ، كما أتَى به لنبيّه و أصحابه مِن قبل ، قال تعالى : (فاصبِرْ إنّ وعْدَ اللهِ حقٌّ و لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لا يُوقِنون) غافر .

     التوبة بالعودة للشريعة و رفْض التخليط مقدِّمةٌ لا بدّ منها لإجابة الدعاء و رفْع العذاب :

    عن حذيفة عن اليمان : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (والذي نفسي بيده لتأمُرنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر ، أو ليُوشِكَنَّ اللهُ أن يبعثَ عليكم عقابًا منه ، ثم تدعونه فلا يستجابُ لكم)  رواه الترمذي و قال هذا حديث حسن ، و كذلك قال الألباني . و رواه أحمد و قال شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره .

    عن أَبي الرُّقَادِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ مَوْلَايَ وَأَنَا غُلَامٌ فَدُفِعْتُ إِلَى حُذَيْفَةَ وَهُوَ يَقُولُ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصِيرُ مُنَافِقًا وَإِنِّي لَأَسْمَعُهَا مِنْ أَحَدِكُمْ فِي الْمَقْعَدِ الْوَاحِدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَحَاضُّنَّ عَلَى الْخَيْرِ أَوْ لَيُسْحِتَنَّكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا بِعَذَابٍ ، أَوْ لَيُؤَمِّرَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ . رواه أحمد  قال شعيب الأرنؤوط : أثرٌ حسن ـ يعني بطُرُقه ـ  وهذا إسناد ضعيف .

     عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ ، أَوْ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ قَوْمًا ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ) رواه أحمد  و قال شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره ـ يعني بطُرُقه ـ وهذا إسناد ضعيف .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©