يوشك أن تَدَاعَى عليكم الأمم

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 16شعبان 1433هـ الموافق 6 يوليو 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/omm.mp3

   عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ) قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ ( أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ ) قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ ( حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ) رواه لأحمد و أبو داود و و الطيالسي  والطبراني . قال الشيخ الألباني صحيح و قال شعيب الأرناؤوط إسناده حسن .

     قال الحافظ في (الفتح) : عند شرح قوله: (ويل للعرب من شر قد اقترب) خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم ، والمراد بالشر ما وقع بعده من قتل عثمان، ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأَكَلَة كما وقع في الحديث الآخر (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها) وأن المخاطَب بذلك العرب . اهـ . و ذِكْر الحافظ له في (الفتح) معناه أن الحديث مُحتَجٌّ به عنده .

     يستفاد من الحديث :

      أولاً : تدَاعي الأمم على المسلمين و في مقدمتهم العرب ، و الحديث معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم في الإخبار عن ذلك و وقوعه كما نشاهده هذه الأيام..

      ثانياً : هذا التداعي كما يبدو بسبب أطماع الأعداء في الثروات و في الموقع الاستراتيجي لبلاد المسلمين ، (و من الثروات البترول) ، بدليل التشبيه بالأَكَلَة والقَصْعة .

     ثالثًا : المسلمون كثير ٌ في آخر الزمان كما هو حاصل الآن (مليار و نصف) ، و لكنهم ضِعافٌ (غُثاءٌ كغثاء السيل) ، و الغُثَاء مايحمِله عليه السيل من المواد الخفيفة التي لا تستقرُّ و لاتَثْبُت ويسهل اختراقها و تفريقها ،  و قد أدّى ذلك التفريق إلى سقوط الخلافة في النهاية ..

     جاء في (لسان العرب) الغُثاءُ بالمدّ والضم ما يجيءُ فوقَ السيلِ مما يَحْمِلُه من الزَّبَدِ والوَسَخِ وغيره ، و جاء في (لسان العرب) أيضاً  في قوله تعالى: (و الذي أَخْرج المَرْعى، فجعله غُثاءً أَحْوى) .. إذا صار النَّبْت يَبِيساً فهو غُثاءٌ ، والأَحْوَى الذي قد اسودَّ من القِدَمِ والعِتْقِ . اهـ .

     و الغثائية كما تعني الضَّعْف و الخِفَّة التي تُسَبِّب التفرُّق والاختلاف و نُفُوذ الأعداء .. تعني أيضاً الجفاف الذي أصيب به المسلمون حتى صاروا يبيسًا بعيدين عن التزكية و قوة الصلة بالله ، و الله يقول : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر .

      و يقول سبحانه : (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً ، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ، وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)الإسراء .

     و يقول سبحانه : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الحج .

    و يقول سبحانه : (وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي ...) المائدة .

     فالغثائية أفقدت المسلمين علاقتهم القوية فيما بينهم  ،كما أفقدتْهم علاقتهم القوية بالله .

    رابعاً : ليس سبب التداعي القِلّة ، و لكنه الغثائية كما سبق ، و نزْع المهابة التي امتازت بها الأمة  قال عليه الصلاة و السلام (نُصِرتُ بالرُّعْب مسيرة شهر) متفق عليه ، قال في (الفتح) : وهذه الخصوصية حاصلةٌ للنبي صلى الله عليه و سلم على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسْكر، وهل هي حاصلة لأُمَّته من بعده؟ فيه احتمال .. اهـ .

    و جاء في (فيض القدير) : وفي اختصاص أُمَّته بذلك (بالرُّعْب) احتمالاتٌ رجّح بعضهم منها أنهم قد رُزِقوا منه حظًّا وافرًا ، لكنْ ذكَر ابن جَمَاعة أنه جاء في رواية أنهم مثلُه ... قال المصنف (السيوطي) و الحديث (نُصِرتُ بالرُّعْب) متواتر . اهـ . 

    خامسًا : السبب الثالث للتداعي قذْف الوهْن في القلوب و هو حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ .

    سادسًا : هذه الأسباب الثلاثة ، و مصْدَرُها الرئيس كما هو واضح أوَّلُها و هو الغثائية ، جعَلت الأعداء يستمرئُون اضطهاد المسلمين و استغلالهم مع ثرواتهم و جعَلت المسلمين يجاهدون مع الأعداء بأموالهم و أنفسهم ، مع تحكُّم الأعداء فيهم ، و مع زعْم رعايتهم  لهم كرعاية الثعالب للأرانب كما هو حاصل عندنا في اليمن باسم المبادرة الخليجية ، و كما في سورية باسم أصدقاء سورية ، وكما في الأزمة بين العراق و الكويت التي كانت ذريعةً لتدمير العراق !! و كان المفروض أن تكون الرعاية في كل الأحوال من إخوانهم المسلمين فقط ، لأن الكافرين كما وصفهم الله : ( إنّ الكافرين كانوا لكم عدُوًّا مُبِينًاً) النساء .

     و  يَسْتمْرِئون كذلك إبادة المسلمين كما في البوسنة كما حصل قبل عَقْدين من الزمان ، و كما في مجازر بُورْمَة (مَيَانْمَار) هذه الأيام  رغم أن المسلمين في إقليم أرَاكَان فيها ستة ملايين ، و نسبتهم  20 في المائة و جَرَّدتْهم الحكومة رغْم ذلك من جِنْسيتهم .. و كما في إبادة المسلمين في سورية بأيدي أحبابهم الرافضة  .  و كما في قصف الأبرياء في المناطق و القُرَى بالطائرات بدون طيّار في بلاد العالم الإسلامي كالباكستان و الصومال و غيرهما ، و لا تتعامل هذه الطائرات في أصل بلدانها مع (المطلوبين) بهذا الأسلوب ، و لا مع أيّ بلد آخر خارج العالم الإسلامي .

     و يَسْتمْرِئون أيضاً قهْر المسلمين كما في الحبشة و إريتريا و المسلمون فيهما نحو 70 في المائة ، و تحاول الحكومة الآن في الحبشة تحريف الإسلام عن طريق تمكين فرقة المسمّى عبد الله الحبَشي الضالّة ، و تَتَعامل الحكومة معهم وحدهم ، لإجبار المسلمين على اعتبار أنهم يُمَثّلون الإسلام .

    و في الصومال لا يريدون أن تقوم للمسلمين قائمة و لا حكومة منذ عشرين سنة ، رغم أن المسلمين فيها 100في المائة  .

    سابعاً : و الطائفة الظاهرة التي تعمل على التحرُّر من هذه الأسباب يحاربها الأَكَلَة بقوّة باسم مكافحة الإرهاب ، لأن الطائفة الظاهرة يعملون على إزالة الغُثائية و إعادة القوة والتوحُّد و توازُن الرُّعب للأمة ، فهذه الطائفة إذَنْ لا تسمح لهم بالراحة عند تحلُّقُهم على القصْعة !! لذلك فإنهم يَرمونهم يالإرهاب !! و كأنّ ممارسة الإرهاب  من الأعداء رغْم أنه بغير حق ، احتكارٌ خاصٌ بهؤلاء الأَكَلَة المُعتدين ، حلالٌ لهم حرامٌ على الضحايا !!..

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©