يذكرونَ اللهَ قِيامًا وقُعودًا وعلَى جُنوبِهم

خطبة جمعة في مسجد قونشلي في 6 من ذي الحجة 1439م الموافق 17 أُغسطس 2018م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/kiama.mp3

     وجوب التفكُّر في آية آل عمران في آخِر السورة، وأبرز ما فيها الذِّكْر على كل الأحوال:

      ذكَر الشوكاني في تفسيره: أَنَّ عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ وَابْنَ الْمُنْذِرِ، وَابْنَ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ أخرجُوا عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا (والمقصود قوله تعالى: إنَّ في خلْقِ السماواتِ والأَرض واختلافِ الَّليلِ والنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولي الأَلباب). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي التَّفَكُّرِ عَنْ سُفْيَانَ رَفَعَهُ: «مَنْ قَرَأَ آخِرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا وَيْلَهُ، فَعَدَّ أَصَابِعَهُ عَشْرًا» . قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: مَا غَايَةُ التَّفَكُّرِ فِيهِنَّ؟ قَالَ: يَقْرَؤُهُنَّ وَهُوَ يَعْقِلُهُنَّ.

    ولعل الوجوب من أجل إعطاء الموضوع حقَّه وأهميته، لِأن الناس يُجامِلون ويُسَايِرون أهل الوجاهة والمال، وحرِيٌّ بأُولي الألباب أن ينتبهوا ويتفكّروا بدلًا من ذلك في خلْق السماوات والأرض الذي سيقودهم إلى ذكْر الله في حالات القيام والقعود وعلى جنْب، فهو سحانه خالق الأنام وخالق كل شيء لهم، وهذا الذِّكْر ضروري كالنفَس الذي يكون في كل تلك الحالات، فهو المُقَدَّم وهو الأَولى من كل ما سواه، والناس غافلون عنه نيام فإذا ماتوا استيقظوا وانتبهو وتذكَّروا، فلذلك كانتِ المبادرة لِلاستيقاظ بهذه الآية في الحياة الدنيا أمرًا واجبًا لِأنه عمومًا يَنْبَنِي عليه الإيقاظ العام، والتذَكُّر والانتباه قبل الموت، والله أعلم.

    وعن عُبيد بن عُميرٍ؛ أنه قال لعائشة رضي الله عنها: أخبرينا بأعجَبِ شيءٍ رأيتيه من رسول الله  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قال: فسكتَتْ؛ ثم قالت: لمَّا كانت ليلة من الليالي قال:"يا عائشة! ذَريني أتعبد الليلة لربي". قلت: والله إني أحبُّ قُرْبَك، وأحبُّ ما يسرُّك. قالت: فقام فتطهَّر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بَلَّ حِجره، قالت: وكان جالساً فلم يزل يبكي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بلَّ لحيته، قالت: ثم بكى حتى بلَّ الأرض، فجاء بلال يؤذِنُه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:"أفلا أكونُ عبداً شكوراً؟ لقد أنُزلتْ عليّ الليلَة آيةٌ؛ ويلٌ لمن قرأَها ولم يتفكَّر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية كلها". رواه ابن حبان في "صحيحه" وغيره. وذكر في صحيح الترغيب أنه حسَن.

        الذِّكْر أفضل الأعمال للإيقاظ وأيسَرُها في كل حينٍ لا يحتاج لطهارة ولا لِهيئةٍ مُعيَّنة:

        وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "ألا أنبِّئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والورِق، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوْا عدوَّكم؛ فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ ". قالوا: بلى. قال: "ذِكْر الله". وذكر في صحيح الترغيب أنه صحيح.

      قال معاذ بن جبل: ما شيءٌ أنجى من عذاب الله من ذكر الله. قال المنذري : رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا والترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد".

     وهو من أيسَر أعمال عشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام الدنيا:

     ونحن في عشر ذي الحجة وهي أفضل أيام الدنيا وفيها كل أمهات العبادات فمَن لم يستطع إلَّا الذكر فهو أفضل الأعمال فيها وفي غيرها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله عز وجل من هذه الأيامِ. يعني أيامَ العشرِ"، قالوا: يا رسولَ الله! ولا الجهادُ في سبيلِ الله؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيلِ الله؛ إلَّا رجلٌ خرجَ بنفسهِ ومالهِ، ثم لم يرجِعْ من ذلكَ بشيءٍ".  رواه البخاري والترمذي وأبو داود وابن ماجه.

      وعند البيهقي وهو حسَن كما في صحيح الترغيب قال:"ما من عملٍ أزكى عندَ الله ولا أَعظم أجراً من خيرٍ يعملُه في عَشرِ الأضحى"، قيل: ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيلِ الله، إلا رجلٌ خرج بنفسهِ ومالِه فلم يرجعْ من ذلك بشيءٍ".

      قال: فكان سعيد بن جبير إذا دخلَ أيامُ العَشرِ اجتهدَ اجتهاداً شديداً، حتى ما يكادُ يُقدَرُ عليه.

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©