العبادة في الهرْجِ و خطورة الدماء

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 7 من ربيع الآخر 1432هـ الموافق 11 مارس 2011م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/hrg.mp3

    من فوائد العبادة في الهرْج عِظَم الأجر و كذلك النجاة والخروج من الفِتَن:

   عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَدَّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم . قال النووي في شرحه : الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَة وَاخْتِلَاط أُمُور النَّاس . وَسَبَب كَثْرَة فَضْل الْعِبَادَة فِيهِ أَنَّ النَّاس يَغْفُلُونَ عَنْهَا ، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا ، وَلَا يَتَفَرَّغ لَهَا إِلَّا أَفْرَاد .اهـ .

     و قال المُناوي في (فيض القدير) : (العبادة في الهرج) أي وقت الفتن واختلاط الأمور (كهجرة إلي) في كثرة الثواب أو يقال المهاجر في الأول كان قليلا لعدم تمكن أكثر الناس من ذلك فهكذا العابد في الهرج قليل قال ابن العربي : وجه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله إلى ذار الإيمان وأهله فإذا وقعت الفتن تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة ويهجر أولئك القوم وتلك الحالة وهو أحد أقسام الهجرة . رواه (حم م ت ه) في الفتن .

       و من فوائد العبادة و منها الاستغفار النجاة من الخطر والفوز بالعيش الحسَن ، قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الأنفال . و قال تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ) هود .

    و من العبادة  المُنْجِية الإكثار من قول : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فَبِها نجا إبراهيم عليه السلام من النار ، ونجا الرسول وصحابته من كيد الكافرين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) رواه البخاري .    

     و من فوائد العبادة الخروج من الفتن  ـ كالإكثار من الصلاة و قيام الليل  والدعاء ـ  قال تعالى : (استعينوا بالصبر و الصلاة) البقرة . و قال تعالى : ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) الفرقان . و من العبادة كذلك الصدقة التي تُطْفِئ غضب الرب و تَقِي مصارع السوء ، و منها قراءة القرآن و الصوم وأنواع الذِّكْر ... إلخ .

      حرْمة الاعتداء على الدماء بغير مبَرِّر شرعي :

     قال تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء .

     قال ابن كثير : والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدا. من ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يُقْضَى بين الناس يوم القيامة في الدماء) وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو داود عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يزال المؤمن مُعنِقاً صالحاً ما لم يُصِب دماً حراماً، فإذا أصاب دما حراما بَلَّح) وفي حديث آخر: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) رواه الترمذي والنسائي.

     وقد كان ابن عباس، رضي الله عنهما، يرى أنه لا توبة للقاتل عمدا لمؤمن ، روى البخاري عن ابن جبير قال: اختلف فيها أهل الكوفة، فَرَحَلْتُ إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا) هي آخر ما نزل وما نسخها شيء.

    وكذا رواه هو أيضا ومسلم والنسائي من طرق، عن شعبة به ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل .

و رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير عن عبد الرحمن بن أبزى عن ابن عباس  وقال في هذه الآية: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) الفرقان. قال نزلت في أهل الشرك.

     وروى ابن جرير  عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام، ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ولا توبة له. فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إلا من ندم.

    و قال ابن جرير حدثنا ابن حميد وابن وَكِيع قالا حدثنا جرير، عن يحيى الجابر، عن سالم بن أبي الجَعْد قال: كنا عند ابن عباس بعد ما كُف بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس، ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا؟ فقال: (جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) قال: أفرأيت إن تاب وعمل صالحا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه، وأنى له التوبة والهدى؟ والذي نفسي بيده! لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "ثكلته أمه، قاتل مؤمن متعمدا، جاء يوم القيامة آخذه بيمينه أو بشماله ، تشخب أوداجه دمًا في قبل عرش الرحمن، يلزم قاتله بشماله بيده الأخرى، يقول: سلْ هذا فيم قتلني" وايْمُ الذي نفس عبد الله بيده! لقد أنزلت هذه الآية، فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما نزل بعدها من برهان.

     وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت يحيى بن المُجَبَّر يحدث عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس؛ أن رجلا أتاه فقال: أرأيت رجلا قتل رجلا متعمدا؟ فقال: (جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) ، قال: لقد نزلت في آخر ما نزل، ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال: وأنى له بالتوبة. وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: (ثكلته أمه، رجل قتل رجلا متعمدا، يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه أو بيساره -وآخذا رأسه بيمينه أو بشماله-تَشْخَب أوداجه دما من قبل العرش يقول: يا رب، سلْ عبدك فيم قتلني؟) .

     وقد رواه النسائي عن قتيبة أو قتادة وابن ماجه عن محمد بن الصباح عن سفيان بن عيينة عن عمار الدُّهني ويحيى الجابر وثابت الثمالي عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس، فذكره ، وقد روي هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة.

     وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف: زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد بن عمر، والحسن، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، نقله ابن أبي حاتم .

     وفي الباب أحاديث كثيرة: من ذلك ما رواه أبو بكر بن مردويه الحافظ في تفسيره عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجيء المقتول متعلقا بقاتله يوم القيامة، آخذًا رأسه بيده الأخرى فيقول: يا رب، سلْ هذا فيم قتلني؟) قال: (فيقول: قتلته لتكون العزة لك. فيقول: فإنها لي). قال: (ويجيء آخر متعلقا بقاتله فيقول: رب، سل هذا فيم قتلني؟) قال: (فيقول قتلته لتكون العزة لفلان). قال: (فإنها ليست له بؤْ بإثمه). قال: (فيهوي في النار سبعين خريفا) . وقد رواه عن النسائي بسنده .

     و روى الإمام أحمد عن معاوية، رضي الله عنه، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا) . و كذا رواه النسائي عن محمد بن المثنى عن صفوان بن عيسى به .

      و روى الإمام أحمد عن حدثنا عقبة بن مالك الليثي قال: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً قَالَ فَأَغَارَتْ عَلَى قَوْمٍ قَالَ فَشَذَّ مِنْ الْقَوْمِ رَجُلٌ قَالَ فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنْ السَّرِيَّةِ شَاهِرًا سَيْفَهُ قَالَ فَقَالَ الشَّاذُّ مِنْ الْقَوْمِ إِنِّي مُسْلِمٌ قَالَ فَلَمْ يَنْظُرْ فِيمَا قَالَ فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ قَالَ فَنَمَى الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا فَبَلَغَ الْقَاتِلَ قَالَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَالَ الْقَاتِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا قَالَ الَّذِي قَالَ إِلَّا تَعَوُّذًا مِنْ الْقَتْلِ قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَعَمَّنْ قِبَلَهُ مِنْ النَّاسِ وَأَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَالَ الَّذِي قَالَ إِلَّا تَعَوُّذًا مِنْ الْقَتْلِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَعَمَّنْ قِبَلَهُ مِنْ النَّاسِ وَأَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ ثُمَّ لَمْ يَصْبِرْ فَقَالَ الثَّالِثَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا قَالَ إِلَّا تَعَوُّذًا مِنْ الْقَتْلِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُعْرَفُ الْمَسَاءَةُ فِي وَجْهِهِ قَالَ لَهُ : (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَى عَلَى مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) . اهـ . بتصرُّف .

     عدم قتال عليّ رضي الله عنه للخوارج رغم تكفيرهم الناس إلا بعد أن سفكوا الدم وقطعوا السبيل و منعوا تسليم القَتَلة:          

     قال ابن حجر في (الفتح) : وَأَمَّا صِفَة قِتَالهمْ وَقَتْلهمْ فَوَقَعَتْ عِنْد مُسْلِم فِي رِوَايَة زَيْد بْن وَهْب الْجُهَنِيّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْش الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيّ حِين سَارُوا إِلَى الْخَوَارِج فَقَالَ عَلِيّ بَعْد أَنْ حَدَّثَ بِصِفَتِهِمْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَللَّه إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْم ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّم الْحَرَام وَأَغَارُوا فِي سَرْح النَّاس ، قَالَ فَلَمَّا اِلْتَقَيْنَا وَعَلَى الْخَوَارِج يَوْمئِذٍ عَبْد اللَّه بْن وَهْب الرَّاسِبِيّ فَقَالَ لَهُمْ : أَلْقُوا الرِّمَاح وَسُلُّوا سُيُوفكُمْ مِنْ جُفُونهَا فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْم حَرُورَاء ، قَالَ فَشَجَرَهُمْ النَّاس بِرِمَاحِهِمْ ، قَالَ فَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض ، وَمَا أُصِيبَ مِنْ النَّاس يَوْمئِذٍ إِلَّا رَجُلَانِ . وَأَخْرَجَ يَعْقُوب بْن سُفْيَان مِنْ طَرِيق عِمْرَان بْن جَرِير عَنْ أَبِي مِجْلَز قَالَ : كَانَ أَهْل النَّهْر أَرْبَعَة آلَاف فَقَتَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يُقْتَل مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِوَى تِسْعَة ، فَإِنْ شِئْت فَاذْهَبْ إِلَى أَبِي بَرْزَة فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ شَهِدَ ذَلِكَ ...

     وَعِنْد أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِم مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَة مَرْجِعَهُ مِنْ الْعِرَاق لَيَالِي قُتِلَ عَلِيٌّ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَة تُحَدِّثنِي بِأَمْرِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيّ ، قَالَ : إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَة وَحَكَّمَا الْحَكَمَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَة آلَاف مِنْ قُرَّاء النَّاس فَنَزَلُوا بِأَرْضٍ يُقَال لَهَا حَرُورَاء مِنْ جَانِب الْكُوفَة وَعَتَبُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا : اِنْسَلَخْت مِنْ قَمِيص أَلْبَسَكَهُ اللَّهُ وَمِنْ اسْم سَمَّاك اللَّه بِهِ ، ثُمَّ حَكَّمْت الرِّجَال فِي دِين اللَّه وَلَا حُكْم إِلَّا لِلَّهِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَجَمَعَ النَّاس فَدَعَا بِمُصْحَفٍ عَظِيم فَجَعَلَ يَضْرِبهُ بِيَدِهِ وَيَقُول : أَيُّهَا الْمُصْحَف حَدِّثْ النَّاس ، فَقَالُوا مَاذَا إِنْسَانٌ ؟ إِنَّمَا هُوَ مِدَاد وَوَرَق ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّم بِمَا رَوَيْنَا مِنْهُ ، فَقَالَ : كِتَاب اللَّه بَيْنِي وَبَيْن هَؤُلَاءِ ، يَقُول اللَّه فِي امْرَأَة رَجُل ( وإِنْ خِفْتُمْ شِقَاق بَيْنهمَا فابعثوا حكَمًا من أهله و حكَمًا من أهلها ) الْآيَة ، وَأُمَّة مُحَمَّد أَعْظَمُ مِنْ امْرَأَة رَجُل ، وَنَقَمُوا عَلَيَّ أَنْ كَاتَبْت مُعَاوِيَة ، وَقَدْ كَاتَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيْل بْن عَمْرو وَلَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة . ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ ابْن عَبَّاس فَنَاظَرَهُمْ فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَة آلَاف فِيهِمْ عَبْد اللَّه بْن الْكَوَّاء ، فَبَعَثَ عَلِيّ إِلَى الْآخَرِينَ أَنْ يَرْجِعُوا فَأَبَوْا . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ : كُونُوا حَيْثُ شِئْتُمْ وَبَيْنَنَا وَبَيْنكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا تَقْطَعُوا سَبِيلًا وَلَا تَظْلِمُوا أَحَدًا ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ نَبَذْت إِلَيْكُمْ الْحَرْب . قَالَ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : فَوَاَللَّهِ مَا قَتَلَهُمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيل وَسَفَكُوا الدَّم الْحَرَام الْحَدِيث ...

      وَأَخْرَجَ يَعْقُوب بْن سُفْيَان بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ حُمَيْد بْن هِلَال قَالَ حَدَّثَنَا رَجُل مِنْ عَبْد الْقَيْس قَالَ : لَحِقْت بِأَهْلِ النَّهْر فَإِنِّي مَعَ طَائِفَة مِنْهُمْ أَسِير إِذْ أَتَيْنَا عَلَى قَرْيَة بَيْننَا نَهْر ، فَخَرَجَ رَجُل مِنْ الْقَرْيَة مُرَوَّعًا فَقَالُوا لَهُ لَا رَوْع عَلَيْك ، وَقَطَعُوا إِلَيْهِ النَّهْر فَقَالُوا لَهُ أَنْتَ ابْن خَبَّاب صَاحِب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالُوا : فَحَدِّثْنَا عَنْ أَبِيك فَحَدَّثَهُمْ بِحَدِيثِ يَكُون فِتْنَةٌ فَإِنْ اِسْتَطَعْت أَنْ تَكُون عَبْد اللَّه الْمَقْتُول فَكُنْ ، قَالَ فَقَدَّمُوهُ فَضَرَبُوا عُنُقه ، ثُمَّ دَعَوْا سُرِّيَّتَهُ وَهِيَ حُبْلَى فَبَقَرُوا عَمَّا فِي بَطْنهَا .

     وَلابْنِ أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق أَبِي مِجْلَز لَاحِق بْن حُمَيْد قَالَ قَالَ عَلِيّ لِأَصْحَابِهِ : لَا تَبْدَءُوهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يُحْدِثُوا حَدَثًا ، قَالَ فَمَرَّ بِهِمْ عَبْد اللَّه بْن خَبَّاب فَذَكَرَ قِصَّة قَتْلهمْ لَهُ وَبِجَارِيَتِهِ وَأَنَّهُمْ بَقَرُوا بَطْنهَا وَكَانُوا مَرُّوا عَلَى سَاقَتِهِ فَأَخَذَ وَاحِد مِنْهُمْ تَمْرَة فَوَضَعَهَا فِي فِيهِ فَقَالُوا لَهُ تَمْرَة مُعَاهَد فِيمَ اِسْتَحْلَلْتهَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ عَبْد اللَّه بْن خَبَّاب : أَنَا أَعْظَمُ حُرْمَة مِنْ هَذِهِ التَّمْرَة . فَأَخَذُوهُ فَذَبَحُوهُ ، فَبَلَغَ عَلِيًّا فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ : أَقِيدُونَا بِقَاتِلِ عَبْد اللَّه بْن خَبَّاب ، فَقَالُوا : كُلُّنَا قَتَلَهُ ، فَأَذِنَ حِينَئِذٍ فِي قِتَالهمْ .اهـ . المنقول بتصرُّف .

     حُرْمة و خطورة سفك الدماء في المظاهرات :

     عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) رواه البخاري و غيره

     لقد أفتى العلماء في اليمن و خارج اليمن بحرمة سفْك دماء المتظاهرين والمُطالبين في المُظاهرات و إيذائهم ، و من سفَك الدّم فإن سُـنَّة التدافع لا تتركه  ، وتضيق عليه دنياه ويضيق دينه و ينتقم الله منه ، و لو أنه قَتَل مسلما واحدا من أجل مُلْك الدنيا كلها فإنه لا تكافؤ ،  و لا بد أن تضيق عليه الأرض بما رحبت .. فكيف بما يفعله اليوم طاغية ليبيا وغيره ؟!! 

     و من شدة حرص الخليفة الراشد علي بن طالب على عدم سفك الدم حتى في الخوارج الذين يُكَفِّرون الناس  و يستحلُّون الدماء،  فإنه عمِل على مناظرتهم و الإعذار إليهم إلى أبعد الحدود رغم أنهم من كبار المبتدعة ، ونحن مأمورون باتباع سنة الخلفاء الراشدين .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©