الاختلاف في ثبوت الهلال

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 3 رمضان 1431هـ الموافق 13 أغسطس 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/hlal.mp3

     قال البخاري : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ.

     و قال مسلم حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ : (الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ (فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ) .

     و قال: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَ : (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا ثَلَاثِينَ) نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ . و حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ فَقَالَ: (الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) ، وَقَالَ : (فَاقْدِرُوا لَهُ) وَلَمْ يَقُلْ (ثَلَاثِينَ) .

     وعند البخاري ومسلم أيضا : عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ قَالَ قَالَ أَبُوالْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ).

      شرح الحافظ للحديث في (الفتح) :

      (الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ) :

     ظَاهِره حَصْرُ الشَّهْرَ فِي تِسْع وَعِشْرِينَ ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ ، وَالْجَوَاب أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَة وَعِشْرِينَ أَوْ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَاد شَهْر بِعَيْنِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ لِقَوْلِ اِبْن مَسْعُود " مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ ، وَمِثْلُهُ عَنْ عَائِشَة عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّل قَوْله فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَةَ فِي الْبَابِ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ : قَوْلُهُ " الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا إِلَخْ " مَعْنَاهُ حَصْره مِنْ جِهَةِ أَحَدِ طَرَفَيْهِ ، أَيْ أَنَّهُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَقَلُّهُ ، وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ ، فَلَا تَأْخُذُوا أَنْفُسَكُمْ بِصَوْم الْأَكْثَر اِحْتِيَاطًا ، وَلَا تَقْتَصِرُوا عَلَى الْأَقَلِّ تَخْفِيفًا ، وَلَكِنْ اِجْعَلُوا عِبَادَتكُمْ مُرْتَبِطَةَ اِبْتِدَاءٍ وَانْتِهَاءً بِاسْتِهْلَالِهِ .

      (فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ):

      لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقَ الصَّوْمِ بِالرُّؤْيَةِ فِي حَقّ كُلّ أَحَد ، بَلْ الْمُرَاد بِذَلِكَ رُؤْيَة بَعْضِهِمْ وَهُوَ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ ذَلِكَ ، إِمَّا وَاحِد عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ أَوْ اثْنَانِ عَلَى رَأْي آخَرِينَ . وَوَافَقَ الْحَنَفِيَّة عَلَى الْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّة مَنْ غَيْمِ وَغَيْرِهِ ، وَإِلَّا مَتَى كَانَ صَحْوًا لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ .

     وَقَدْ تَمَسَّكَ بِتَعْلِيقِ الصَّوْمِ بِالرُّؤْيَةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى إِلْزَامِ أَهْلِ الْبَلَدِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدِ غَيْرِهَا ، وَمَنْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ قَوْلَهُ " حَتَّى تَرَوْهُ " خِطَاب لِأُنَاسٍ مَخْصُوصِينَ فَلَا يُلْزَمُ غَيْرهمْ ، وَلَكِنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْ ظَاهِرِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْحَالُ عَلَى رُؤْيَةِ كُلٍّ وَاحِدٍ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْبَلَدِ .

     وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا لِأَهْلِ كُلِّ بَلَد رُؤْيَتهمْ ، وَفِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاس مَا يَشْهَدُ لَهُ (حديث كُرَيب) ، وَحَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ عِكْرِمَة وَالْقَاسِمِ وَسَالِم وَإِسْحَاق ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ . ثَانِيهَا مُقَابِله إِذَا رُؤِيَ بِبَلْدَةٍ لَزِمَ أَهْلَ الْبِلَادِ كُلّهَا ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، لَكِنْ حَكَى اِبْن عَبْد الْبَرّ الْإِجْمَاع عَلَى خِلَافِهِ ، وَقَالَ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الرُّؤْيَةُ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْبِلَادِ كَخُرَاسَانَ وَالْأَنْدَلُسِ .

     قَالَ الْقُرْطُبِيّ : قَدْ قَالَ شُيُوخُنَا إِذَا كَانَتْ رُؤْيَة الْهِلَالِ ظَاهِرَة قَاطِعَة بِمَوْضِعٍ ثُمَّ نَقَلَ إِلَى غَيْرِهِمْ بِشَهَادَة اثْنَيْنِ لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ . وَقَالَ ابْن الْمَاجِشُون : لَا يُلْزِمُهُمْ بِالشَّهَادَةِ إِلَّا لِأَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَيُلْزَمُ النَّاسَ كُلَّهُمْ لِأَنَّ الْبِلَادَ فِي حَقِّهِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ إِذْ حُكْمُهُ نَافِذ فِي الْجَمِيعِ . وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : إِنْ تَقَارَبَتْ الْبِلَادُ كَانَ الْحُكْم وَاحِدًا وَإِنْ تَبَاعَدَتْ فَوَجْهَانِ : لَا يَجِبُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ، وَاخْتَارَ أَبُو الطَّيِّبِ وَطَائِفَة الْوُجُوب وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ . وَفِي ضَبْطِ الْبُعْدِ أَوْجُه : أَحَدُهَا: اِخْتِلَاف الْمَطَالِعِ قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيّ فِي " الرَّوْضَةِ " و " شَرْح الْمُهَذَّبِ " . ثَانِيهَا: مَسَافَة الْقَصْر قَطَعَ بِهِ الْإِمَامَ وَالْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيّ فِي " الصَّغِيرِ " وَالنَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِم " . ثَالِثُهَا: اخْتِلَاف الْأَقَالِيمِ . رَابِعُهَا: حَكَاهُ السَّرْخَسِيّ فَقَالَ : يُلْزَمُ كُلّ بَلَدٍ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهَا بِلَا عَارِضٍ دُونَ غَيْرِهِمْ . خَامِسُهَا: قَوْل اِبْن الْمَاجِشُون الْمُتَقَدِّمِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ عَلَى مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي الصَّوْمِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْفِطْرِ فَقَالَ الشَّافِعِيّ : يُفْطِرُ وَيُخْفِيه . وَقَالَ الْأَكْثَر : يَسْتَمِرُّ صَائِمًا اِحْتِيَاطًا . 

    (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ) :

     بِضَمِّ الْمُعْجَمَة وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ حَالٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْم ، يُقَالُ غَمَمْت الشَّيْءَ إِذَا غَطَّيْته ، وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيق الْمُسْتَمْلِي " فَإِنْ غُمَّ " وَمِنْ طَرِيقِ الْكُشْمِيهَنِيِّ " أَغْمَى " وَمِنْ رِوَايَة السَّرْخَسِيّ " غَبَى " بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَغْمَى وَغُمَّ وَغَمَّى بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا فَهُوَ مَغْمُوم ، الْكُلّ بِمَعْنَى ، وَأَمَّا غَبَى فَمَأْخُوذ مِنْ الْغَبَاوَةِ وَهِيَ عَدَمُ الْفِطْنَةِ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ لِخَفَاءِ الْهِلَال ، وَنَقْلِ اِبْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ رَوَى " عَمَى " بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْعَمَى قَالَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ ذَهَابُ الْبَصَرِ عَنْ الْمُشَاهَدَاتِ أَوْ ذَهَاب الْبَصِيرَة عَنْ الْمَعْقُولَاتِ .اهـ . المنقول من الفتح .

     تهافت العلمانيين في سخريتهم من الاختلاف حول ثبوت الهلال :

     هنالك ضجة حول ثبوت الهلال ، وانتقادٌ من بعض العوام المثقفين حَمَلَة الشهادات العليا للمسلمين في عدم اتفاقهم في بدء شهر الصوم وانتهائه ، وفي بدء ذي الحجة ، بل وفي سائر الأشهر . وقد يسخر العقلانيون و العلمانيون من المسلمين في ذلك ويشمَتون ، و يزعمون  أن ذلك من العجْز .

     وهذا الاختلاف في الحقيقة غير مُؤثِّر لأن هنالك أموراً أخرى في الشرع فيها اختلافات غير مؤثرة بل يقرُّها الشرع ، لأنها مبنيّةٌ على اجتهادات وتدل على سعة الأفق والواقعية ، كالاختلاف حول أنْساك الحج والاختلاف حول الجهر بالبسملة في الفاتحة أو الإسرار ، والاختلاف حول قراءة الفاتحة خلف الإمام أو عدمها ، والاختلاف حول ألفاظ التشهد ، والاختلاف حول مسافة قصر الصلاة ، والاختلاف حول زكاة بعض الأموال كعروض التجارة ، والاختلاف حول أمور في الصيام ....إلخ الاختلافات في العبادات والاختلافات في المعاملات ، بل ويعض الاختلافات في قضايا العقيدة كمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في ليلة المعراج أو عدم ذلك ، ومسألة القول يفناء النار ، ومسألة تكفير الخوارج .

     مقصد الشرع اجتماع أهل كل بلد في الثبوت وإن اختلفوا مع البلدان الأخرى :

     قال مسلم : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ ، قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرُونَ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ ، قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ : مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ ؟ فَقُلْتُ : رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ ، فَقَالَ : لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ ، فَقُلْتُ : أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ ؟ فَقَالَ : لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَكَّ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي نَكْتَفِي أَوْ تَكْتَفِي .

      وقال الترمذي : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ) .

    قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ : إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعُظْمِ النَّاسِ . وقال الألباني صحيح .

      ما نستفيده مما سبق :

     1ـ أن عدم وجود وسائل اتصال في الماضي ، كما هو ظاهر من حديث كريب عند مسلم ، يجعل اتحاد أقطار المسلمين على الصيام أو العيدين صعباً لتباعد الأقطار ، رغم أن المسلمين كان يحكمهم خليفة واحد .

     2ـ أن عدم وجود خليفة في هذا العصر يجمع المسلمين ، يجعل اتحاد أقطار المسلمين على الصيام أو العيدين صعباً أيضا رغم وجود وسائل الاتصال .

     3ـ أن المتاح في الماضي والحاضر هو أن يلتزم أهل كل بلد على حدة بصيام واحد وعيد واحد ولا يختلفون لأن كلّاً منهما عبادة جماعية،ولذلك أمر الشرع بهذا المتاح كما في حديث الترمذي (الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ...) . وإذا اتفق أهل بلدين أو أكثر في الرؤية أو إكمال العدة بدون تكلُّف أو تعسُّف فذلك أمرٌ طيب .

     4ـ أننا متعبَّدون بالتحرِّي من أول شهر شعبان كما في حديث الترمذي والحاكم (أَحْصُوا هلال شعبان لرمضان)قال الألباني حسن  ، من أجل ضبط الحساب لِتَحديد يوم الرؤية أو إكمال العدة في آخر شعبان  لأجل رمضان ، ثم تَحرِّي الرؤية أو إكمال العدة  في آخر رمضان من أجل عيد الفطر ، و لابد من تحرِّي معرفة أول ذي القعدة من أجل ضبط الحساب لِتَحديد يوم الرؤية أو إكمال العدة لمعرفة أول ذي الحجة لأجل يوم عرفة ويوم الأضحى .

     5ـ أنه قد ينبني على الغيم إكمال العدة والهلال موجود ، فيكون الصيام تسعة وعشرين وهو كمال لأن الشهر يكون كذلك كما سبق في الحديث المتفق عليه ، وقد يتكرر الغيم في شهرين أويحدث خطأ فيصوم الناس ثمانية وعشرين ، ويظهر هلال شوال بالرؤية فيما بعد،فعليهم في هذه الحالة أن يقضوا يوماً و لا تثريب في ذلك.

     6ـ لا اعتمادَ على الحساب الفلكي ولا على الآلات والمناظير إلا في تيسير الرؤية التي نحن متعبَّدون بها ، تماماً كمُكبِّر الصوت والمسجّل والتلفاز يمكن أن تكون عوامل مساعدة لأداء العبادة وليست بديلة عن شخص المؤذن أو الإ مام أو الخطيب ، فلا تكون الآلات أو الحساب بديلاً عن رؤية الشخص الرائي أو إكمال العدة.

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©