وأعرض عن الجاهلين

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في  18محرم 1432هـ الموافق 24 ديسمبر 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/gahlin.mp3

    قال السيوطي في (الدر المنثور) : أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي والنحاس في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن الزبير قال : ما نزلت هذه الآية إلا في أخلاق الناس (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) ، وفي لفظ : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس .

     و قال ابن كثير في تفسيره : قال بعض العلماء: الناس رجلان: فرجل محسن ، فخذ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه . وإما مسيء، فمُرْهُ بالمعروف، فإن تمادى على ضلاله، واستعصى عليك، واستمر في جهله، فأعرض عنه، فلعل ذلك أن يرد كيده، كما قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ، وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) المؤمنون . اهـ

     وقال تعالى : (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) النساء .

      وفي تفسير مصحف المدينة : اقْبَلْ -أيها النبي أنت وأمتك- الفضل من أخلاق الناس وأعمالهم، ولا تطلب منهم ما يشق عليهم حتى لا ينفروا، وأْمر بكل قول حسن وفِعْلٍ جميل، وأعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة الأغبياء. اهـ .

     معاني العفو والعرف و الجهل :

     و العفو الزيادة قال تعالى : (حتى عفَوْا) أي الفضل و ما زاد و خرج عن الحرَج والتكلُّف أي الميسور من أعمال و أخلاق الرجال .

    قال البخاري : الْعُرْف : الْمَعْرُوف . قال الحافظ : وَصَلَهُ عَبْد الرَّزَّاق مِنْ طَرِيق هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق السُّدِّيِّ وَقَتَادَةَ .اهـ .قال ابن كثير : وقول البخاري: "العرف: المعروف" نص عليه عروة بن الزبير، والسُّدِّي، وقتادة، وابن جرير، وغير واحد.اهـ .

من يفعلِ الخير لا يعدمْ جَوازيَه    ...       لا يذهبُ العُرْف بين اللهِ والناسِ

     و أما الجهل  فهو السفَه والانحراف وتدخل فيه أمور كثيرة من الشرك إلى أدنى الأخلاق سوءًا و لذلك سميت الفترة  قبل الإسلام التي غلب عليها ذلك بالجاهلية ، و من ذلك ما ورد في النصوص التالية :

     بعض النصوص التي ورد فيها ذِكْر الجهل :

     بعض الآيات :

     قال تعالى في ردّ موسى على جهالة الشرك : (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) الأعراف  .

     و قال تعالى في ردّ هود على شِرْك عاد : (قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) الأحقاف  .

     و قال تعالى في استنكار محمد صلى الله عليه وسلم لجهالة الشرك و عصمته منها: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) الزمر  .

      وقال تعالى في ردّ نوح على جهالة طلَب طرْد المؤمنين بحجة الطبقية الجاهلية :(وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) هود .

     و قال تعالى في استنكار لوط لجهالة قومه في ارتكابهم أعظم الفواحش : (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) النمل  .

     و قال تعالى في عصمة اللهِ النبيَّ محمدًا عليه الصلاة والسلام من أي نقص و من ذلك من جهالة جمْع كل الناس (الإجماع الوطني أو الدولي (كالأمم المتحدة) للطوائف أو الفِرَق أوالمِلل): (وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) الأنعام  . و قال تعالى : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ (وهم المؤمنون) وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ (أي ليبتليهم بالاختلاف) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) هود . و قال تعالى : (هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن) التغابن .

     و قال تعالى في عصمة الله نوحًا عليه الصلاة والسلام من أي نقص ، و من ذلك من جهالة ذلك الجمْع في البيت الواحد مع اختلاف الملة : (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) هود  .

     و قال تعالى في عصمة الله يوسف عليه الصلاة والسلام من أي نقص ، و من ذلك من جهالة الميل إلى النساء الأجنبيات : (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) يوسف  .

     و قال تعالى في عتاب يوسف عليه السلام إخوته فيما فعلوا فيه  من جهالات الكبائر المتعدّدة كحسدهم له وإخفائه والكذب على الوالد وتعريض يوسف للقتل  وبيعه إلخ ...: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ) يوسف  .

     و من الجهالة التسرُّع في الحكم على الآخرين :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات .

      بعض الأحاديث :

     أخرج البخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : قدم عُيينة بن حصن بن بدر ، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس - وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً أكانوا أو شباباً - فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه؟ قال : سأستأذن لك عليه . قال ابن عباس : فاستأذن الحر لعُيينة فأذن له عمر ، فلما دخل قال : هي يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل . وفي الحديث الإشارة إلى جهالة الافتراء على الأخيار وفي مقدمتهم الصحابة .

     وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ) متفق عليه .

     وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) .و في الحديثين النهي عن جهالات اقتراف الذنوب أثناء الصيام ، لأن اقتراف أي ذنب جهالة ، ولو صدرتْ ممَّن يدعي العلم ، لأن العلم الخشية والخشوع ، قال تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء .

     من الجهالات السياسات المضلِّلة والإعلام المضلّل للأعداء والاستماع إليه:

     قال تعالى في ردِّ بعض أهل الكتاب الذين أسلموا على جهالة المشركين الذين أنكروا ذلك : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) القصص  .

       فإذا أعرضوا عن الاستماع إلى اللغو ، فكيف بالاستماع اليوم إلى السياسات المضلِّلة وإلى الإعلام المضلّل من الإذاعات كإذاعة لندن ؟ أو القنوات العلمانية التي تعرض التضليل المنوَّع ، وتضع السُّمّ في المأدبة ، ومن ذلك أعظم فتنة وهن النساء المتبرجات ؟ أو المواقع غير الإسلامية كموقع ويكليكس وبناء المواقف على ذلك  ؟ ..     

     وهذا الإعلام والسياسات تصدُق في بعض الأحيان في ثمانين في المائة من أجل أن ينطلي الكذب في العشرين في المائة  الباقية كما حاول أبو سفيان رضي الله عنه في حديثه مع هرقل قبل إسلامه كما في المتفق عليه في الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام .

     إن الأعداء لا يمكن أن ينصحوا ، وقد زعم إبليس أنه نصح آدم و حوَّاء قال تعالى : (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ، فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ) الأعراف . و لذلك قال تعالى : (...لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودُّوا ما عنتُّم قد بَدَت البغضاء من أفواههم و ما تُخْفِي صدورُهم أكبر...) آل عمران .

     الخاتمة :

     قال تعالى : (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) النساء .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©