لسماع
الخطبة اضغط على الرابط التالي:
http://www.ssadek.com/jomaa/ftn.mp3
1ـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (أَتَاكُمْ أَهْلُ
الْيَمَنِ أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ
أَفْئِدَةً الْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ
يَمَانِيَةٌ) متفق
عليه.
2ـ و عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ذَكَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي
شَأْمِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي
يَمَنِنَا ) ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ :
وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ : (اللَّهُمَّ
بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا ، اللَّهُمَّ
بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا) ، قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ : وَفِي نَجْدِنَا ؟
فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ :
(هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ وَبِهَا
يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ) رواه البخاري و
أحمد و غيرهما .
3ـ و عن ابن عباس أن الرسول عليه
الصلاة والسلام
أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ :
(أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ
الْعَرَبِ ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ
مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ) ، وَنَسِيتُ
الثَّالِثَةَ. متفق عليه ، و في البخاري :
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَأَلْتُ
الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَقَالَ مَكَّةُ
وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ
وَقَالَ يَعْقُوبُ وَالْعَرْجُ أَوَّلُ
تِهَامَةَ .اهـ . و ظاهرٌ أن اليمن من
جزيرة العرب.
4ـ و عن جابر أن الرسول عليه الصلاة
والسلام قال : ( إِنَّ الشَّيْطَان قَدْ أَيِس
أَنْ يَعْبُدهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَة
الْعَرَب ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيش بَيْنهمْ
) رواه مسلم و أحمد و الترمذي . و اليمن من
جزيرة العرب كما سبق .
وفي شرح النووي لهذا الحديث على صحيح مسلم :
هَذَا الْحَدِيث مِنْ مُعْجِزَات
النُّبُوَّة ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان جَزِيرَة
الْعَرَب ، وَمَعْنَاهُ : أَيِس أَنْ
يَعْبُدهُ أَهْل جَزِيرَة الْعَرَب ،
وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي التَّحْرِيش بَيْنهمْ
بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاء وَالْحُرُوب
وَالْفِتَن وَنَحْوهَا .
وجاء في تحفة الأحوذي لشرح الترمذي عند شرح
هذا الحديث :
ومعنى الحديث
أَيِس من أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة
الصنم ويرتدّ إلى شِرْكه في جزيرة العرب ، ولا
يَرِدُ على ذلك ارتداد أصحاب مسيلمة ومانعي
الزكاة وغيرهم ممن ارتدّوا بعد النبي صلى الله
عليه و سلم لأنهم لم يعبدوا الصنم انتهى .
قال القاري : وفيه أن دعوة الشيطان عامة
إلى أنواع الكفر غير مختصة بعبادة الصنم ،
فالأَولى أن يقال المراد أن المصلين لا يجمعون
بين الصلاة وعبادة الشيطان كما فعلتْه اليهود
والنصارى انتهى . ( ولكن في التحريش ) خبر
لمبتدأ محذوف أي هو في التحريش أو ظرف لمقدر
أي يسعى في التحريش ( بينهم ) أي في إغراء
بعضهم على بعض والتحريض بالشر بين الناس من
قتْل وخصومة .. والمعنى لكن الشيطان غير آيِسٍ
من إغراء المؤمنين وحمْلهم على الفتن بل له هو
مطمع في ذلك
.
5
ـ
و في خطبة النحر للنبي صلى الله عليه و سلم
عند الترمذي و النسائي و ابن ماجه عن عمرو بن
الأحوص قال عليه الصلاة و السلام: (...ألا إن
الشيطانَ قد أَيِس أن يُعبَد في بلدكم هذا
أبدا ، و لكن ستكون له طاعةٌ في بعض ما
تَحتَقِرون من أعمالكم فيَرضَى بها) و الحديث
صحّحه الترمذي و قال الألباني حسن . و اليمن
من جزيرة العرب التي يشملها هذا الحديث داخلٌ
في هذه الحصانة النسبية من الشيطان .
قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح في شرح هذا
الحديث:
( ألا وإن
الشيطان ) هو إبليس ... ولك أن تقول معنى
الحديث أن الشيطان أَيِس من أن يتبدَّل دين
الإسلام ويظهر الإشراك ويستمر ويصير الأمر كما
كان من قبل ، ولا ينافيه ارتداد من ارتدّ ، بل
لو عُبدتْ الأصنام أيضًا لم يَضُرّ لِعَدَم
الظهور و الانتشار ، ( في بلدكم هذا ) أي مكة
، قال القاري : أي علانية ، إذ قد يأتي الكفار
مكة خِفْية ، قلت : قوله ( في بلدكم هذا ) كذا
وقع في رواية ابن ماجة ، وللترمذي في الفتن (
في بلادكم هذه ) يعني مكة وما حولها من جزيرة
العرب ، ( ولكن ستكون له طاعة ) أي انقياد أو
إطاعة ( فيما تحتقرون ) من الاحتقار أي تحسبون
ذلك حقيرة صغيرة ، ويكون فيها طاعة ومرضاة
للشيطان ( من أعمالكم ) أي دون الكفر من القتل
والنهب ونحوهما من الكبائر ( فيَرضى ) أي
الشيطان ( به ) . اهـ .بتصرّف.
6ـ و عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ
الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ
وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) متفق عليه. و
رمضان موسم للحصانة من مرَدَة الشياطين في
جميع البلاد و منها اليمن .
قال
الحافظ في (الفتح) أثناء شرح هذا الحديث :
وترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه وأورد ما أخرجه
هو والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم من
طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ:
(إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت
الشياطين ومرَدَة الجن) وأخرجه النسائي من
طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ: (وتُغَلُّ
فيه مرَدَة الشياطين) زاد أبو صالح في روايته:
(وغلِّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب،
وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى
منادٍ: يا باغيَ الخير أقبِل ويا باغيَ الشر
أقْصِر، ولله عتقاءُ من النار وذلك كل ليلة)
لفظ ابن خزيمة . و قال الحاكم على شرطهما و
قال الألباني حسن .
اهـ .
يستفاد من أحاديث الفضائل المذكورة :
1ـ هذه الأحاديث فيها من الفضائل أن
اليمَن فيه الإيمان و الفقه والحكمة ، و أن في
اليمن برَكة ، و أن اليمن يجب إخراج الكفار
منه كسائر أقطار جزيرة العرب ، فلا يدخلون إلا
مؤقَّتًا بضوابط ذكَرها الفقهاء ، وهذا فيه
تقليلٌ من مصادر الشرّ في اليمن ، و أن اليمن
كسائر أقطار جزيرة العرب قد أيِس الشيطان من
نشْر الكفر فيها .
و هذه الفضائل فيها حصاناتٌ لأهل اليمن و
فيها نوعٌ من العِصْمة النِّسْبيّة ، ويضاف
إلى ذلك ما يُحْدِثُهُ رمضانُ من الحصانة و
العِصْمَة العامّة التي يَشتَرِكُ فيها أهل
اليمن مع سائر إخوانهم المسلمين عند تصفيد
مَرَدَة الشياطين ، و عند صبْر الصائمين في
رمضان عن عدَم الرّدّ على المُعْتدِي و
الاكتفاء بشِعار الصائم : إني امرؤٌ صائم .
2ـ حديث يأس الشيطان من عبادة المصلِّين
له في جزيرة العرب جاء بلفظين مؤدّاهما أن
الشيطان لا يطمع في عودة الكفر في جزيرة العرب
و أنه يكتفى بالتحريش ، و رغم ذلك فالتحريش
خطيرٌ لا بدّ من الحذَر منه ، و الحذَر كذلك
ممّا يحتقره الناس من المعاصي رغم أنها كبائر
.
3ـ مَرَدَة الشياطين مصفّدةٌ في رمضان ،
و لكن يجب الحذَر من خطورة بقية شياطين الإنس
و الجن التي تسرَح وتمرَح ، و تنْشُر كثيرًا
من الضلالات كما هو ظاهر ، و منها الديمقراطية
و خرافات القبور ، و الصراعات الكثيرة و
الخلافات ، و التعدّديّات ، و لكن ذلك لا يصل
إلى الكفر ، لوجود التأويل الذي منه احتقار
الذنوب .
4ـ الأصل أن يعود الناس إلى علماء
الفتوى المُربِّين المُزَكّين لكشف اللبْس
الذي ينتُج عن احتقار الذنوب ، فلا يكفي أن
يستفتيهم الناس في العقيدة و العبادات و
الأحوال الشخصية و في التفاسير و شرح الحديث ،
و في كثير من المعاملات و يَنْسَون أهمّ
المعاملات و هي قضايا الحكم و السياسة و الحرب
و الحوار ، فلا يستفتونهم فيها ، فالإسلام
شامل فيه تبيان كل شيء ، و لا توجد قضية إلا و
لِلّه حُكْمٌ فيها .
و لا يجوز أن يستفتي الناس غير المؤهّلين
للفتوى في قضايا الحكم و السياسة و الحرب و
الحوار ، لأن المتزاحمين على الفتوى في ذلك
كثيرون ، حرصًا من المتزاحمين على الزعامة ، و
هم رؤوسٌ جُهّالٌ ، ليسوا عدولاً ، و لا
مؤَهَّلين للفتوى .. فلا يُفَرِّق أحدهم مثلاً
بين واو العطْف و واو الحال ، و لا بين
التوكيد و البدل ، و لا بين كان الناقصة أو
التامّة .. فكيف يَفهَم النص ؟ و لا يعرف
مُعظَمُهم العام و الخاص و لا المطلق و المقيد
، و لا الحكم التكليفي و لا الوضعي ، بل قد لا
يُحْسِن قراءة الآية أو الحديث .
5 ـ رغم أننا في شهر رمضان ، و رغم تصفيد
الشياطين في رمضان ، و رغم وجوب الالتزام
بشعار الصائم (فليقل إني صائم) ، و مع أننا في
جزيرة العرب ، و مع وجود الإيمان و الفقه و
الحكمة و البرَكة .. فإن من تحريش الشيطان
بيننا مثلاً أنه يوجد من يريد منْع التراويح ،
و يوجد من يَنْتَقِص بعض الصحابة ، و يوجد
عندنا تفاوتٌ في توقيت أذان الفجر و أذان
المغرب ، مع أن الله ربَط ذلك بعلامات فلَكية
ظاهرة للعالم و الجاهل ، و يوجد عندنا من عنده
استعداد لإثارة الفتنة إذا لم يستعجل الإمام
في الصلاة أو المؤذن في الإقامة ، مع أن
الولاية في ذلك للإمام .. يوجد كثيرٌ من
التحريش رغم وجود الحلول الشرعية التي لا يتم
تفعيلها على الوجه المطلوب ، كما توجد كثيرٌ
من الكبائر ، و كثيرٌ من الاختلالات العَقَدية
و المنهجية المُتَأَوَّلَة كشِرْكيّات القبور
و الديمقراطيّات .. فلا بدّ من الحذَر
والسَّعْي إلى تصحيح الأوضاع قدْر المُسْتَطاع
، و عدَم الرُّكون إلى الفضائل فقط ، و
الحصانات و العصمة النسبية . |