الإسلام تَمْكينٌ لا تَدْجِين

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 2 ربيع أول  1435هـ الموافق 3 يناير 2014م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/eslam.mp3

   1- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ العُسْرَةِ، فَكَانَ مِنْ أَوْثَقِ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي، فَكَانَ لِي أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إِنْسَانًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا إِصْبَعَ صَاحِبِهِ، فَانْتَزَعَ إِصْبَعَهُ، فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، فَسَقَطَتْ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، وَقَالَ: (أَفَيَدَعُ إِصْبَعَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا - قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ - كَمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ).رواه البخاري .   

     قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ (أي بالإسناد السابق) وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ جَدِّهِ، بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ: أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَهْدَرَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . رواه البخاري .

      وفي لفظٍ لمسلم في القصة الأولى : عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ، فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ - أَوْ ثَنَايَاهُ -، فَاسْتَعْدَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا تَأْمُرُنِي؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَهُ أَنْ يَدَعَ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ ادْفَعْ يَدَكَ حَتَّى يَعَضَّهَا، ثُمَّ انْتَزِعْهَا؟) .

         تعليق مصطفى البُغا :

       (جيش العُسرة) في غزوة تبوك سميتْ بذلك لعُسر حالها باشتداد الحر وغيره. (أوثق أعمالي) أقواها اعتمادا عليه. (فأنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ) أسقطها والثَنِيَّتَهُ مقدم الأسنان.  (فأهدر ثَنِيَّتَهُ) أبطلها ولم يجعل فيها دية. (تقضَمها) من القضْم وهو الأكل بأطراف الأسنان. (الفحل) ذكَر الإبل .

      عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، أَنَّ أَجِيرًا لِيَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ عَضَّ رَجُلٌ ذِرَاعَهُ، فَجَذَبَهَا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ، فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبْطَلَهَا، وَقَالَ: (أَرَدْتَ أَنْ تَقْضَمَهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟) رواه مسلم . الفعل قضم من باب فهِم .

      شرح محمد فؤاد عبد الباقي :

     (فاستعدَى رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقال : استعديت الأمير على الظالم أي طلبتُ منه النصرة فأعداني عليه أي أعانني ونصرني فالاستعداء طلب التقوية والنصرة .

    (ما تأمُرني ؟ تأمُرني أن آمُره) ليس المراد بهذا أمْره بدفع يده ليعَضَّها ، وإنما معناه الإنكار عليه أي إنك لا تدع يدك في فيه يعَضُّها ، فكيف تُنكِر عليه أن ينتزِع يدَه من فيك وتطالِبُه بما جنَى في جذْبه لذلك .

    2- وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى (مُشْطٌ أو يُشْبِهُ  المُشْط) يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ، لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ) متفق عليه .

     3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِعَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ) متفق عليه .

     يؤخَذ من الأحاديث :

    1- الأُمة الإسلامية أمَّة العِزَّة ولذلك فإن الأصل فيها ردّ العدوان ، ومُرَاغَمة العدوّ والتشجيع والتربية على ذلك ،  حتى لا يتغَوَّل الظُّلم ، قال تعالى : (والله لا يُحِبُّ الفساد) البقرة . وعند الصعوبة أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة ، ثم إلى المدينة . وتوعَّد سبحانه المستسلمين للظلم فقال : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ، وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) النساء .

     2- يكون العفو مِنَّةً من المظلوم عند القدرة ، و بذلك يكون جزءًا إيجابيًّا في برنامج ِتَمكِين الحق وليس تَدْجِين أهله ، قال تعالى : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الشورى . وقال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) حم السجدة

     3- تكون السياسة الشرعية في المُؤاخَذَة أو في الإعراض والصفح عن الكافرين أو عن المنافقين أو عن العصاة في خانة الرِّبح وجزءًا من برنامج التمكين المتدرِّج الذي يعني الإصرار ، مع عدم التسرُّع ، فيكون التمكين أكيدًا وإن كان بطيئًا ، ولا يكون الإعراض غفلةً وخنوعًا بلا تخطيط ، قال تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة .   

    وقال تعالى : (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ، وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا) المزمل . وقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) الأحقاف . وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) النساء ، وقال تعالى : (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) محمد .

     4- أوضاع المسلمين اليوم ترهُّلٌ و مُسايَرة للأعداء وغُثائيّة وفُرْقة وتجاهلٌ للهُوِّيّة ، وعدم وضوح المشروع والهدف الإسلامي ولا التخطيط له ، لا بالصبر ولا بالعفو ولا بردّ الفعل وردِّ الصاع بالصاع ولا بالتفكير في التميُّز .. و يظل التعاون مع الأعداء لِينَفِّذوا خِطَطهم فينا كما يحْلُو لهم . 

     ومن ذلك ما يجري في بلدنا كنموذج من الأحداث المتلاحقة دون أي موقفٍ واضح للدولة ودون تحقيق جادٍّ أو فتْح أمَل .. لا في مواجهة المُخرّبين والقتَلَة الذين يُنَفِّذون برنامج انقلاباتٍ و إبادةٍ واغتيالات وتدمير ، ولا في مواجهة الحِوار المَسمُوم الذي يَنْخَر في المنهَج والمقدَّسات والشريعة بطريقة دبلوماسية .

     والمُخْرِج في الحالتين واحد ، وهو تحالُف الكفار والمنافقين ، الذي يستخدم مخابراته وأمواله لمؤامرات الانقلابات و الإبادة والتدمير ، ويستخدم دبلوماسيته وأمواله كذلك لتبديل المنهج والشريعة ، ولا يألونا خبالًا في مختلف البلدان الإسلامية كمصر وسورية والعراق وليبية و اليمن وأفغانستان والصومال وتركية.. إلخ ..  يَقْلِينا المُخْرِج على المِقْلَى كما يشاء !! ..

     ففي اليمن مثلًا في خلال أقل من شهر ، كم كان الحصاد من القتلى والدّمار ؟ .. كان حادث وزارة الدفاع و حادث هبَّة حضرموت ، وحادث العرْس في رداع من الطائرة بدون طيار ، و بعض مُخْرَجات الحوار العجيبة المثيرة ، وحادث الضالع ، وحادث إدارة الأمن في عدن ، و تطوُّرات قضية دمَّاج و الانسحاب المفاجِئُ من كِتاف ، واستمرار ضرْب الكهرباء وأنابيب النفط ، فضلًا عن الأحداث الدمويّة الكثيرة المتلاحقة طوَال العام .

     5- لذلك سيستمر الإثخان في الأُمَّة كما يبدو من أجل الكفَّارة و الإيقاظ والتربية ، و هذه هي سُنَّة الله حتى في الصحابة في أُحُد وفيما جرى بينهم فيما بعد ، رغم مكانتهم !!.. عن طَارِقٍ الأشجعي أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (بِحَسْبِ أَصْحَابِي الْقَتْلُ) أخرجه أحمد وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن أبي شيبة  والبزار والطبراني وابن أبي عاصم وقد قال الهيثمي في "مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح. وذلك كما في التحقيق على مسند أحمد بإشراف التركي .

    و عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ، وَالزَّلَازِلُ، وَالْقَتْلُ) أخرجه أبوداود والطبراني والحاكم والبيهقي وقال الحاكم صحيح ووافَقه الذهبي ، وقال الألباني صحيح .

    وفي الختام يقول سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©