ذنوبنا أخوف علينا من عدوّنا

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 7 صفر 1431هـ الموافق 22 يناير 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/dnob.mp3

   *عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : لم أزل حريصا على أن أسال عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) ، حتى حج وحججتُ معه وعدل وعدلتُ معه بإداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ ، فقلت له يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى : ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) ؟ قال واعجباً لك يا ابن عباس! هما عائشة وحفصة .

     ثم استقبل عمر الحديث يسوقه ، قال : كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهم من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل أنا ، فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من وحي أو غيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك ، وكنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبت على امرأتي فراجعتني،  فأنكرت أن تراجعني ، قالت ولِمَ تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعْنَه ، وإن إحداهن لَتهجُره اليوم حتى الليل . فأفزعني ذلك وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن . ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها: أيْ حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل ؟ قالت نعم ، فقلت قد خبتِ وخسرت .. أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي ؟ لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أنْ كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. يريد عائشة .

     قال عمر : كنا قد تحدثنا أن غسان تَنعل الخيل لغزونا . فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابي ضربا شديدا ، وقال أثَمَّ هو ؟ ففزعتُ فخرجت إليه ، فقال قد حدث اليوم أمر عظيم ! قلت ما هو أجاء غسان ؟ قال : لا بل أعظم من ذلك وأهوَل! طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه .. فقلت خابت حفصة وخسرت ، قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون ، فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشرَبة له واعتزل فيها ، ودخلت على حفصة فإذا هي تبكي ، فقلت ما يبكيك ألم أكن حذرتك هذا ؟ أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت لا أدري هاهو ذا معتزل في المشربة .

     فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم ، فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشرُبة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر . فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فصمَت ، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام أستأذن لعمر . فدخل ثم رجع فقال قد ذكرتك له فصمَت ، فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت أستأذن لعمر . فدخل ثم رجع إلي فقال قد ذكرتك له فصمَت ، فلما وليت منصرفاً قال إذا الغلام يدعوني فقال قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم .

     فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه ، متكئا على وسادة من أَدَم حشوها ليف ، فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم يا رسول الله أطلقت نساءك ؟ فرفع إلي بصره فقال: ( لا ) فقلت الله أكبر. ثم قلت وأنا قائم أستأنس يا رسول الله.. لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم . فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها ولا يغرنك أنْ كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. يريد عائشة ، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى ، فجلست حين رأيته تبسم فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت في بيته شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاث ، فقلت يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم ، وأُعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال: ( أو في هذا أنت يا ابن الخطاب إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا ) . فقلت يا رسول الله استغفر لي ..  فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشتْه حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة وكان قال : ( ما أنا بداخل عليهن شهرا ) . من شدة مَوجِدته عليهن حين عاتبه الله ، فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها ، فقالت له عائشة يا رسول الله إنك قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنما أصبحتَ من تسع وعشرين ليلة أعدُّها عدا . فقال: ( الشهر تسع وعشرون ) . فكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة . قالت عائشة ثم أنزل الله تعالى آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فاخترته ، ثم خيَّر نـسـاءه كلهن فقـلن مثل ما قالت عائشة . متفق عليه .

     وعند مسلم أن عمر هو الذي استنبط ذلك ونزل قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء .

     *في هذا الحديث شدة اعتناء الصحابة بما يشغل خاطر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان أعظم من عليهم من غزو غسان . وأنهم كانوا لا يبالون بالغزو الخارجي إذا كان وضعهم الداخلي مستقرا رغم أنه ورد في رواية أن عمر قال عن غزو غسان إنه ملأ صدورنا ، وفي رواية أنهم كانوا يخافون ذلك .

     *الحديث يفيد أن مرجعية الاستنباط إلى العلماء ، ويدل على مكانتهم .

     *إيذاء النبي أو إيذاء ورثته وهم العلماء، أو إيذاء الصالحين خطير وإخلالٌ بالجبهة الداخلية قال تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) الأحزاب . عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان و صهيب وبلال في نفر ، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، قال فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: (يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك!) فأتـاهم أبو بكر فقال يا إخـوتاه أغـضـبتـكم ؟ قالوا : لا, يغفر الله لك يا أخي . رواه مسلم وغيره .

     *ونحن اليوم نتوقع الخطر من التآمر الأجنبي، فالبوارج في البحار المحيطة والفوضى الخلاقة على أشدها و مؤتمر لندن بغرض الوصاية على اليمن على الأبواب ، والتدخل الأجنبي ظاهر ، ولا خطر أعظم علينا من أن نؤتى من قبل أنفسنا ، والأصل أن نتوب ونرجع إلى الله ثم إلى أولي الأمر وهم علماؤنا ، ونلح في الدعاء كما ذكر العلماء في بيانهم ، ونال البيان قبولا واسعا والحمد لله ، وكان لنائب رئيس الوزراء ولوزير الخارجية من قبل كلام في الاتجاه نفسه ، ونسأل الله أن يحفظنا ويحفظ بلدنا .

     *وإذا ضمِن الناس حسن علاقتهم بالله  فالله يدفع عنهم قال تعالى : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا )النساء . وقال تعالى: ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) الحج . وقال تعالى : ( وإن تصبروا وتتقوا لايضركم كيدهم شيئا ) آل عمران . وقال تعالى : ( ولن تُغْني عنكم فئتكم شيئا ولو كثُرتْ وأن الله مع المؤمنين )الأنفال . وقال تعالى: ( وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصَرون ) آل عمران . فالنصر بعيد عنهم إلا أنهم قد يُسلَّطون عليهم بسبب الذنوب . (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) محمد .

     *و في (حلية الأولياء) عن رجل من قريش أن عمر بن عبد العزيز عهد إلى بعض عماله : عليك بتقوى الله في كل حال ينزل بك ، فإن تقوى الله أفضل العدة وأبلغ المكيدة وأقوى القوة ، ولا تكن في شيء من عداوة عدوك أشد احتراسا لنفسك ومن معك من معاصي الله ، فان الذنوب أخوف عندي على الناس من مكيدة عدوهم ، وإنما نعادي عدونا ونستنصر عليهم بمعصيتهم  ، ولولا ذلك لم تكن لنا قوة بهم لأن عددنا ليس كعددهم ولا قوتنا كقوتهم فإن لا ننصر عليهم بطاعتنا لا نغلبهم بقوتنا ، ولا تكونن لعداوة أحد من الناس أحذر منكم لذنوبكم ولا أشد تعاهدا منكم لذنوبكم ، واعلموا أن عليكم ملائكة لله حفظة عليكم يعلمون ما تفعلون في مسيركم ومنازلكم ، فاستحبوا منهم وأحسنوا صحابتهم ولا تؤذوهم بمعاصي الله وأنتم زعمتم في سبيل الله ، ولا تقولوا إن عدونا شر منا ولن يُنصروا علينا وإن أذنبنا ، فكم من قوم قد سلط أو سخط عليهم بأشر منهم لذنوبهم ، وسلوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه العون على عدوكم نسأل الله ذلك لنا ولكم .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©