دمَّاج ومأساة التخاذل ..

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 27 من ذي الحجة 1434هـ الموافق 1 نوفمبر 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/dmag.mp3

     عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  

     (الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ) وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إِسْحَاقَ: الْقَوَدَ وَالتَّكَافُؤَ " رواه أبو داود وابن ماجه ، وذكر الحافظ في الفتح بعد سرْد بعض طُرُقَ الحديث أنها ضَعِيفَةٌ إِلَّا الطَّرِيقَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ (أي طريق أبي داود وطريق ابن ماجه) فَإِنَّ سَنَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَسَنٌ . وقال الألباني صحيح .

     قال العظيم أَبَادِي في عَون المَعبود :

     (تَتَكَافَأُ) بِالْهَمْزِ فِي آخِرِهِ أَيْ تَتَسَاوَى (دِمَاؤُهُمْ) أَيْ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لَا يُفَضَّلُ شَرِيفٌ عَلَى وَضِيعٍ كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ) أَيْ بِأَمَانِهِمْ (أَدْنَاهُمْ) أَيّ أقلُّهم عَدَدًا ، وهو الْوَاحِدُ أَوْ الأدنى مَنْزِلَةً .

     قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ : أَيْ أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا آمَنَ كَافِرًا حَرُمَ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَمُهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُجِيرُ أَدْنَاهُمْ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ عَسِيفًا تَابِعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يُخْفَرُ ذِمَّتُهُ.   

    (وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ قَاصِيَ الدَّارِ إِذَا عَقَدَ لِلْكَافِرِ عَقْدًا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْقُضَهُ .

    (وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : أَيْ الْمُسْلِمُونَ لَا يَسَعُهُمُ التَّخَاذُلُ بَلْ يُعَاوِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ .

     وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَى الْيَدِ الْمُظَاهَرَةُ وَالْمُعَاوَنَةُ إِذَا اسْتُنْفِرُوا وَجَبَ عَلَيْهِمُ النَّفِيرُ وَإِذَا اسْتُنْجِدُوا أَنْجَدُوا وَلَمْ يَتَخَلَّفُوا وَلَمْ يَتَخَاذَلُوا انْتَهَى .

     وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ لَا يَسَعُهُمُ التَّخَاذُلُ بَلْ يُعَاوِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَأَنَّهُ جَعَلَ أَيْدِيَهُمْ يَدًا وَاحِدَةً وَفِعْلَهُمْ فِعْلًا وَاحِدًا . انْتَهَى .

    (يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُشِدُّ الْمُقَوِّي الَّذِي دَوَابُّهُ شَدِيدَةٌ قَوِيَّةٌ وَالْمُضْعِفُ مَنْ كَانَتْ دَوَابُّهُ ضِعَافًا . انْتَهَى . وَفِي النِّهَايَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَوِيَّ مِنَ الْغُزَاةِ يُسَاهِمُ الضَّعِيفَ فِيمَا يَكْسِبُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ . انْتَهَى .

     وَقَالَ السُّيُوطِيُّ : وَجَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمُضْعِفُ أَمِيرُ الرُّفْقَةِ أَيْ يَسِيرُونَ سَيْرَ الضَّعِيفِ لَا يَتَقَدَّمُونَهُ فَيَتَخَلَّفُ عَنْهُمْ وَيَبْقَى بِمَضْيَعَةٍ . انْتَهَى .

     (وَمُتَسَرِّيهُمْ) بِالتَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَبَعْدَهَا سِينٌ ثُمَّ الرَّاءُ ثُمَّ الْيَاءُ التَّحْتَانِيَّةُ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (مُتَسَرِّعُهُمْ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الرَّاءِ ، قَالَ السُّيُوطِيُّ : هُوَ غَلَطٌ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُتَسَرِّي هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي السَّرِيَّةِ ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَخْرُجَ الْجَيْشُ فَيُنِيخُوا بِقُرْبِ دَارِ الْعَدُوِّ ، ثُمَّ يَنْفَصِل مِنْهُمْ سَرِيَّةٌ فَيَغْنَمُوا ، فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَ مَا غَنِمُوا عَلَى الْجَيْشِ الَّذِي هُوَ رِدْءٌ لَهُمْ ، لَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ خُرُوجُ السَّرِيَّةِ مِنَ الْبَلَدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ عَلَى الْمُقِيمِينَ شَيْئًا فِي أَوْطَانِهِمْ .

    (لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إِلَخْ) يَأْتِي شَرْحُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ ..

    (ولاذو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ) أَيْ لَا يُقْتَلُ مَعَاهَدٌ مَا دَامَ فِي عَهْدِهِ ، قال المنذري وأخرجه ابن مَاجَهْ . انتهى بتصرُّف .

     ما يجري في دمَّاج (صعدة) و في غيرها :

     لا بدّ من الاهتمام بما يجري في دمّاج .. إن أهل دماج في ديارهم لم يعتدوا على أحدٍ منذ عشرات السنين ، والآن يُحاصَرون ويُقصفون بأنواع الأسلحة ويُقتلون بالعشرات في بيوتهم و في مساجدهم ،و تُدمَّر عليهم !! ..

    مايجري في سورية يتكرَّر في اليمن !! وما كان عند جارك أمسى في دارك ، فأين الأُخُوَّة ؟ وأين إغاثة الملهوف؟ وأين نصرة المظلوم ؟ والمسلمون جسدٌ واحد ، وفي هذه الأَشْهُر القليلة فقط حصَل العديد من الفتن .. في الرّضْمة وفي مُنَبِّه وفي العُصَيمات ..

     أين شيوخ القبائل والوَجاهات والتجار في البلد؟ أين التكتُّلات ؟ لماذا لا يتحرَّكون و لايضغطون على الدولة لتقوم بمسؤولياتها ، و لماذا لا يُبادِرون هم للقيام بواجبهم في حشْد الجهود و الإمكانات؟ فالأوضاع لا تحتمل التأخير .

    عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه .

     وفي الحديبية بايَع الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة بيعة الرضوان عندما بلغه مقْتل عثمان رضي الله عنه وهو واحد من الصحابة ، مما يدل على عِظَم حُرمة المسلم ، رغم أن الخبر لم يكن صحيحًا .

    وكأنّ وضْعنا اليوم في الخذلان كوضع المسلمين أيام التتار عندما كان أحد التتار يقول انتظروا حتى آتي بسيفي ، ثم ينتظرون فيأتي فيقتلهم !! .. ولكنْ لا أظنُّ أن اليمن و لا كذلك الشام ستخضَعان للفتن ، بل سوف ترُدَّان على الأعداء ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام ذكَر أنه سيكون فيهما جنودٌ مجَنَّدة كما في الحديث عند أحمد ، وهذا ملموسٌ الآن في الشام رغم التضحيات  .

    وفي الختام يقول سبحانه : (إنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُم ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم) محمد .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©