فإنهنّ عَوَانٍ (أسيرات) عندكم

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 25 محرم 1432هـ الموافق 31 ديسمبر 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/awan.mp3

    الوصية بمراعاة حقوق النساء وأحوالهن في التربية لضعفهن :

     (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء .

     قال ابن كثير : وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله، ما حق امرأة أحدنا؟ قال: (أن تُطعمها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكْتَسَيْتَ، ولا تَضْرِب الوَجْهَ ولا تُقَبِّح، ولا تَهْجُر إلا في البَيْتِ) . قال الألباني صحيح  .

     و عن عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ،  ثم قال : (ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوانٍ عندكم ، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرِّح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ،  ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا ، فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون  ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) .  أصله في مسلم و رواه ابن ماجه و النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح . وقال الألباني حسن .

     قال الحسن البصري: ضربا غير مبرِّح يعني غير مؤثر. قال الفقهاء: هو ألا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا .

     و عن إياس بن عبد الله بن أبي ذُباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَضْرِبوا إماءَ اللهِ). فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئِرَ (اجترأ) النساء على أزواجهن. فرخّص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أطافَ بآل محمد نِسَاءٌ كثير يَشْكُونَ  أزواجهن، ليس أولئك بخياركم) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه  . قال الألباني صحيح . اهـ . بتصرُّف .    

     قال الشوكاني : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) يقول : إذا أطاعتك ، فلا تتجنى عليها العلل .. وأخرج ابن جرير ، عن عطاء : أنه سأل ابن عباس ، عن الضرب غير المبرح ، فقال : بالسواك ، ونحوه  وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن عبد الله بن زمعة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أيضرب أحدكم امرأته ، كما يضرب العبد؟ ... ) . و هناك كثير ممن يفعل ذلك إذا كانت المرأة في غربة أو كان أهلها ضعفاء ، أو لم يكن لها عصبة ، وقد اشترط الإسلام ألّا يكون الضرب مبرِّحاً ولا يترك أثرًا ، ولا يكون في الوجه  ولا يكون جلْداً كجلد العبد  ، و المقصود  من ذلك الضرب كسر كبرياء المرأة العاصية التي لم ينفع معها الوعظ ولا الهجر .

     وعقوبة الضرب اليسير في الإسلام خاصة بالمرأة و كذلك بالأطفال على ترك الصلاة ونحوه  ، أما عقوبة الضرب بصورة أشد  فهي حدودٌ لمعاصٍ كبيرة  كالزنا والقذف  و شرب الخمر ، و هذا مع وجود عقوبة الضرب في التعازير الواسعة .

     مراعاة حقوق النساء في الميراث :

     و قال تعالى : (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) النساء .

     قال ابن كثير : قال سعيد بن جبير وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار، ولا يورِّثون النساء ولا الأطفال شيئا، فأنزل الله يعني هذه الآية .

     وعن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الرَّبيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قُتل أبوهما معك في أحُد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يَدَعْ لهما مالا ولا ينْكحَان إلا ولهما مال. قال: فقال: (يَقْضِي اللَّهُ في ذلك). قال: فنزلت آية الميراث، فأرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: (أعْطِ ابْنَتي سعد الثلثين، وأُمُّهُمَا الثُّمُنَ، وما بقي فهو لك) رواه أحمد و أبو داود والترمذي وابن ماجه، من طرق، عن عبد الله بن محمد بن عُقَيل، به .  وقال الألباني إنه حسن بعد قوله : رواه أبو داود وصححه الترمذي والحاكم .اهـ . بتصرُّف .

     قال الشوكاني : وقد أخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية لا يورِّثون البنات ، ولا الصغار حتى يدركوا ، فمات رجل من الأنصار يقال له : أوس بن ثابت ، وترك ابنتين ، وابناً صغيراً ، فجاء ابنا عمه ، وهما عصبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذا ميراثه كله ، فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية ، فأرسل إليهما رسول الله فقال : (لا تحركا من الميراث شيئاً ، فإنه قد أنزل عليّ شيء احترتُ فيه أن للذكر والأنثى نصيباً ) ، ثم نزل بعد ذلك : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النساء) النساء ، ثم نزل : (يُوصِيكُمُ الله فِى أولادكم ) النساء . فدعا بالميراث ، فأعطى المرأة الثمن ، وقسم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين .

     وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في الآية قال : نزلت في أم كلثوم ابنة أم كحلة ، أو أم كجَّة ، وثعلبة بن أوس ، وسويد ، وهم من الأنصار ، كان أحدهم زوجها ، والآخر عم ولدها ، فقالت : يا رسول الله توفي زوجي ، وتركني وابنته ، فلم نورَّث من ماله ، فقال عمّ ولدها : يا رسول الله لا تركب فرساً ، ولا تنكي (تنكأ) عدواً ويُكسب عليها ، ولا تَكتسب ، فنزلت . اهـ . بتصرُّف . وهناك من لا يزال يمنع المرأة ميراثها ، أو يـتحايل عليها للتنازل ، وتسُود في جـهـاتٍ ثـقـافـة الحرَج عند المرأة من أخذ حقها من الميراث ، ويجب رفع هذا الظلم وتصحيح الثقافة حتى تأخذ المرأة حقها بدون حرَج تماما ًكـالرجل .

     علاج الزوجة :

     جاء في فتاوى الأزهر : عن مصاريف علاج الزوجة مذهب الحنفية أن مصاريف علاج الزوجة لا تجب على الزوج فقد جاء فى رد المحتار : ( كما لا يلزمه مداواتها أى إتيانه لها بدواء المرض ولا أجرة الطبيب ولا الفصد ولا الحجامة هندية عن السراج ) .

    وهذا هو المعروف فى مذاهب الأئمة الثلاثة أيضا ، إلا أن صاحب (منح الجليل) نقل عن ابن عبد الحكم من فقهاء المالكية : ( أن على الزوج أجرة الطبيب والمداواة ) ، وهو رأى وجيه نرى الأخذ والإفتاء به  ، فيجب على الزوج مصاريف علاج زوجته من ماله الخاص ولو غنية ، و مصاريف علاج الأولاد الذى يظهر لنا من قواعد الحنفية السمحة أنه يدخل فى النفقة الواجبة على الأب الموسر لطفله الصغير الفقير وجميع ما يحتاج إليه من النفقة، من طعام وكسوة وأجرة خادم وأجرة طبيب وثمن دواء وغير ذلك، إذ قد تكون حاجة الإنسان المريض إلى أجرة الطبيب وثمن الدواء أشد من حاجته إلى خادم ، وأيضا قد نص الفقهاء فى باب صدقة الفطر على أنه تجب على الأب صدقة الفطر عن طفله الفقير لتحقق السبب وهو رأس يمونه ويلى عليه ، ونصوا على أنه يلزم أن تكون المؤنة كاملة مطلقة تشمل غير الرواتب نحو الأدوية ، وإلا لما وجب عليه صدقة الفطر عنه إذا كان فقيرا .اهـ .

     و إلى جانب فتوى ابن عبد الحكم القديمة فقد أصبح الاستشفاء في هذا العصر ـــ الذي كثرت فيه الأمراض وتعقّدتْ ـــ من الضروريات أكثر من الغذاء أحيانا لأنه إتقاذٌ للحياة ، ولذلك كثرت كليات الطب والصيدلة وكثرت المستشفيات ، و صار يفتي العلماء بالعلاج على الزوج ، لأن الفتوى في الأمور الاجتهادية تختلف زمانا ومكانا  و شخصا وبحسب العرف . 

    حُرمة التفريق بين المرأة و ولدها :

    عن أبي أيوب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من فرَّق بين والدة وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب  وأحمد والحاكم والدارقطني وقال الحاكم صحيح الإسناد . و قال الألباني حسن . 

     قال المناوي : وذهب بعض الأئمة إلى منع التفريق بينهما مطلقا وقال كما قال ابن العربي : إنه ظاهر الحديث لأنه لم يفرق بين الوالدة و ولدها بلفظ (بين) وفرق في جوابه حيث كرر (بين) في الثاني ليدل على عظم هذا الأمر وأنه لا يجوز التفريق بينهما في اللفظ بالبيع فكيف التفريق بين ذواتيهما ؟ ذكره جمْع . اهـ .

     وبعض الأزواج يفعل ذلك و هو حرام سواء مع بقاء الزوجية أم مع عدمها . و بعض الآباء يجبر ابنته نتيجة لشدة الخلاف مع الزوج على فراق أبنائها إذا فارقت زوجها ، و هي غلظة شديدة فالولد جزءٌ من أمه لأنه نشأ بين أحشائها .

    و قد بلغت الرحمة إلى الحيوان ، روى البخاري في " الأدب المفرد " و أبو داود و الحاكم عن عبد الرحمن بن عبد الله (بن مسعود) عن أبيه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فانطلق لحاجة ، فرأينا حُمَّرة معها فرخان ، فأخذنا فرخيها ، فجاءت الحمرة فجعلت تُفَرِّش ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها ) .و السياق لأبي داود و زاد :  و رأى قرية نمل قد حرقناها ، فقال : (من حرق هذه ؟) قلنا : نحن ، قال : (إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ) .  قال الألباني : و سنده صحيح ، و قال الحاكم " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .

      ( الحُمَّرة ) : بضم الحاء و فتح الميم المشددة : طائر صغير كالعصفور أحمر اللون .

      ( تفرِّش ) : بحذف إحدى التاءين كـ ( تذكر ) أي ترفرف بجناحيها و تقترب من الأرض .

     إهمال العدل بين الزوجات :

     قال تعالى : (فإنْ خفتم ألّا تعدلوا فواحدة) النساء . قال صلى الله عليه و سلم : (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة و شقه مائل) رواه أحمد و أبو داود و النسائي و ابن ماجه عن أبي هريرة .و قال الألباني صحيح .

    وهناك من يبقى مع زوجة واحدة ، حتى تكبر و يكبر أولادها ، ثم ينعم الله عليه فيتزوج أخرى ، و لا يشكر نعمة الله عليه فيعدل ، وإنما يتعامل مع الأولى بجفاء و انعدام وفاء ، و يستغل انقطاعها إليه وإلى أولادها و اضطرارها و أنها صارت مُلْجَأَةً فيظلمها ، قاتل الله الظلم والظالمين !!

      مظالم أخرى :

     و هنالك مظالم أخرى مثل إعطاء الآباء الأبناء دون البنات ، و الرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما في المتفق عليه لمن لم  يعدل في ذلك: (لا تُشْهِدْني على جَور)  ، وكذلك يتم التعامل بالبنت عند التزويج كسلعة من بعض الأولياء ، وفرض مايُسمَّى في اليمن بالشرط الذي ما أنزل الله به من سلطان على حساب تقليل المهر ، ويأخذه الولي بغير حق ، (و معلوم أنه إذا كان الولي أبًا محتاجا فلا بأس إن أخذ من المهر بقدر حاجته ، تماماً كما يأخذ من الابن) ،  و قد لا يتم إنصافها من الزوج في إعطاء المهر وقد تُماطَل ، و الله يقول: (و آتوا النساء صدُقاتهن نِحْلة) النساء ، و لا يُلتَفَت إلى رضاها في اختيار الزوج أحيانا ، و أحيانا يتم عضلها عن الزواج حتى يفوتها القطار من أجل ابتزاز مالها من عصبتها و وِراثته ، و من العضل التدخل في صلاحية الولي و في حريتها في الزواج قبل الثامنة عشرة ، و يتم تقنين ذلك في بعض البلاد ، و أحيانا يتم نزعها من الزوج رغماً عنها بلا مبرر لمجرد هوى وليّها ، و أحيانا يتم تقنين منع التعدُّد فيتم حرمان كثير من الأيامى من الزواج ، وأحيانا يتم فرض الاختلاط على المرأة المحتاجة للتعليم والوظائف ، ومنعها من الحجاب ، أو العبث به ، كما يتم تجفيف الأسواق من الملابس المحتشمة . و في بعض المستشفيات قد يُتعسَّف مع المرأة  في منع المحْرَم و في كشفها للرجال بلا ضرورة في المعالجات والعمليات الجراحية ...إلخ .

     البديل الغربي :

     و بدلاً من الدعوة لرفع هذه المظالم ،  هنالك من يصرف الأنظار عنها و يرفع عقيرته و يوهم المرأة بمظالم وهمية بغرض إخراجها من مملكتها في البيت التي قال عنها الرسول عليه الصلاة والسلام (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) متفق عليه ، وتجاهلاً لقوله تعالى في نساء النبي و هن قدوة نساء المسلمين  : (و قرْن في بيوتكن) الأحزاب ،  و تقليداً للغرب باسم الحرية و الحقوق السياسية . إن الغرب الذي دمّر الأسرة فأصبح سكانه يتناقصون يريد تدمير الأسرة أيضا عندنا بإخراج المرأة من مملكتها لإفسادها وإفساد المجتمع .

     ولأن ذلك غريب على المجتمعات الإسلامية فيريد الغرب فرضها على الناس باسم الكوتا التي لا توجد في الغرب نفسه ، نسأل الله العافية ، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردُّوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ) آل عمران  .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©