أطعَمَهُم وآمَنَهُم

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 16ربيع الأول 1435هـ الموافق 17 يناير 2014م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/atamhm.mp3

     (لإيلافِ قُرَيْشٍ ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) قريش .

     جاء في تفسير ابن كثير :

     هَذِهِ السُّورَةُ مَفْصُولَةٌ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ، كَتَبُوا بَيْنَهُمَا البسملة وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا. كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى عِنْدَهُمَا: حَبَسْنَا عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَأَهْلَكْنَا أَهْلَهُ (لإيلافِ قُرَيْشٍ) أَيْ لِائْتِلَافِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ فِي بَلَدِهِمْ آمِنِينَ .

     وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَا كَانُوا يَأْلَفُونَهُ مِنَ الرِّحْلَةِ فِي الشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ، وَفِي الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى بَلَدِهِمْ آمِنِينَ ؛ لِكَوْنِهِمْ سُكَّانَ حَرَمِ اللَّهِ، بَلْ مَنْ سَارَ مَعَهُمْ أَمِنَ بِهِمْ . وهم فِي حَالِ إِقَامَتِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) الْعَنْكَبُوتِ .

     وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الصَّوَابُ أَنَّ "اللَّامَ" لَامُ التَّعَجُّبِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ وَنِعْمَتِي عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُمَا سُورَتَانِ مُنْفَصِلَتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ.

      ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ فَقَالَ: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) أَيْ: فَلْيُوَحِّدُوهُ بِالْعِبَادَةِ، كَمَا جَعَلَ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) النَّمْلِ .

     وَمَنِ اسْتَجَابَ أَمِنِ في الدارين، وَ العكْس ، قَالَ تَعَالَى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) النَّحْلِ.اهـ بتصرُّف.

     جاء في تفسير الشوكاني :

      أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فَضَّلَ اللَّهُ قُرَيْشًا بِسَبْعِ خِصَالٍ لَمْ يُعْطِهَا أَحَدًا قَبْلَهُمْ وَلَا يُعْطِيهَا أَحَدًا بَعْدَهُمْ: أَنِّي فِيهِمْ. وَفِي لَفْظٍ: النُّبُوَّةُ فِيهِمْ ، وَالْخِلَافَةُ فِيهِمْ ، وَالْحِجَابَةُ فِيهِمْ ، وَالسِّقَايَةُ فِيهِمْ ، وَنُصِرُوا عَلَى الْفِيلِ ، وَعَبَدُوا اللَّهَ سَبْعَ سِنِينَ ، وَفِي لَفْظٍ: عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَعْبُدْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، وَنَزَلَتْ فِيهِمْ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يُذْكَرْ فيها أحدٌ غيرهم لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

     ويشْهد له ما أخرجه الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَضَّلَ اللَّهُ قُرَيْشًا... إلخ.) وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ ، وَهُوَ مُرْسَلٌ .

     (قال محقِّق تفسير ابن كثير سامي سلامة عن حديث أم هانئ : أخرجه الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْخِلَافِيَّاتِ و في مناقب الشافعي وهو في المستدرك وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي فقال: "فيه يعقوب بن محمد الزهري ضعيف، وإبراهيم صاحب مناكير هذا أنْكَرُها" قال الألباني في الصحيحة : حديث حسن ، تبعًا للحافظ العراقي الذي حكَم على الحديث بذلك في مَحجّة القُرَب في محبَّة العرَب) .

     التفسير:

      اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: (لِإِيلافِ) قِيلَ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بالسُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، كَأَنَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ: أَهْلَكْتُ أَصْحَابَ الْفِيلِ لِأَجْلِ تَأَلُّفِ قُرَيْشٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذِهِ السُّورَةُ مُتَّصِلَةٌ بِالسُّورَةِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ ذَكَّرَ سُبْحَانَهُ أَهْلَ مَكَّةَ بِعَظِيمِ نِعْمَتِهِ فِيمَا فَعَلَ بِالْحَبَشَةِ ، ثُمَّ قَالَ: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ نِعْمَةً مِنَّا عَلَى قُرَيْشٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَخْرُجُ فِي تِجَارَتِهَا فَلَا يُغَارُ عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، يَقُولُونَ: هُمْ أَهْلُ بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، حَتَّى جَاءَ صَاحِبُ الْفِيلِ لِيَهْدِمَ الْكَعْبَةَ وَيَأْخُذَ حِجَارَتَهَا فَيَبْنِي بِهَا بَيْتًا فِي الْيَمَنِ يَحُجُّ النَّاسُ إِلَيْهِ ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَذَكَّرَهُمْ نِعْمَتَهُ ، أَيْ: فَعَلَ ذَلِكَ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ، أَيْ لِيَأْلَفُوا الْخُرُوجَ وَلَا يُجْتَرَأَ عَلَيْهِمْ . وَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا ابْنُ قُتَيْبَةَ .

     قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) أَيْ أَهْلَكَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْفِيلِ لِتَبْقَى قُرَيْشٌ وَمَا قَدْ أَلِفُوا مِنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: إن اللام متعلق بقوله: لْيَعْبُدُوا .. أَمَرَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ لِأَجْلِ إِيلَافِهِمُ الرِّحْلَتَيْنِ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَمَّا لَا فَلْيَعْبُدُوهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ صَاحِبَ الْكَشَّافِ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ .    

     وَالْمَعْنَى: إِنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ لِسَائِرِ نِعَمِهِ فَلْيَعْبُدُوهُ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ: اللَّامُ لَامُ التَّعَجُّبِ، أَيِ اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى إِلَى. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: لِإِيلافِ بِالْيَاءِ مَهْمُوزًا مِنْ أَلِفْتُ أولف إِيلَافًا . يُقَالُ: أَلِفْتُ الشَّيْءَ أَلَافًا وَأُلْفًا، وَأَلِفْتُهُ إِيلَافًا بِمَعْنًى .

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: (لِإِلَافِ) بِدُونِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: (لِإِلْفِ) وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ الشَّاعِرُ، فَقَالَ:         زَعَمْتُمْ أَنَّ إِخْوَتَكُمْ قُرَيْشٌ ... لَهُمْ إِلْفٌ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَافُ

     وقريش هم: ابن النضر بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ. فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَلِدْهُ النَّضْرُ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ، وَقُرَيْشٌ يَأْتِي مُنْصَرِفًا إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْحَيُّ، وَغَيْرَ مُنْصَرِفٍ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْقَبِيلَةُ .  وَقِيلَ: إِنَّ قُرَيْشًا بَنُو فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .

     (إِيلافِهِمْ) بدل من (إيلافِ قريش) ، و (رِحْلَةَ) مَفْعُولٌ بِهِ لِـ (إِيلَافِهِمْ) ، وَأَفْرَدَهَا لِأَمْنِ الْإِلْبَاسِ، وَقِيلَ:إِنَّ (إِيلَافِهِمْ) تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ لَا بَدَلٌ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ، وَرَجَّحَهُ أَبُو الْبَقَاءِ، وَقِيلَ: إِنَّ (رِحْلَةَ) مَنْصُوبَةٌ بِمَصْدَرٍ مُقَدَّرٍ، أَيِ: ارْتِحَالَهُمْ (رِحْلَةَ) وَقِيلَ: مَنْصُوبَةٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ .

    قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: َلَوْلَا الرِّحْلَتَانِ لم يقيموا بِمكة ، وَلَوْلَا الْأَمْنُ بِالْبَيْتُ لَمْ يقدروا على التصرّف .

     وبيَّن أنهم إِنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ لِسَائِرِ نِعَمِهِ ، فَلْيَعْبُدُوهُ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْخَاصَّةِ ، و بِالْبَيْتِ تَشَرَّفُوا عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ، وذكَّرهم أنه الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ قبل تينِكَ الرِّحْلَتَيْنِ.

    قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ يُغِيرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَيَسْبِي بَعْضُهَا بَعْضًا، فَأَمِنَتْ قُرَيْشٌ لِمَكَانِ الْحَرَمِ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ وَشَرِيكٌ وَسُفْيَانُ: آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفِ الْحَبَشَةِ مَعَ الْفِيلِ .

     وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابن عباس: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ) قَالَ: لُزُومُهُمْ ، (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ حَيْثُ قَالَ: (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) ، (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) حَيْثُ (قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) إبراهيم .

     وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: أُمِرُوا أَنْ يَأْلَفُوا عِبَادَةَ رَبِّ الْبَيْتِ كَإِلْفِهِمْ الرِّحْلَتين ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي قُرَيْشٍ و أِنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالخلافة  فيهم ما بقي اثنان .اهـ . بتصرُّف .

    يستفاد من السورة :

   1- الطعام والأمان وحريّة العيش والانتقال والتجارة من أعظم النِّعَم على الناس . وأهل مكة أكرمهم الله بالرحلتين وبالحرَم والبيت والطعام والأمْن ، وأكرمَنا في اليمن بدعاء النبي بالبرَكة كما عند البخاري ، وبالغُدُر وبالجنود المُجَنَّدة ، وبالنَّفَس ، وبالإيمان والفقه والحكمة .

    2- عبادة الله وحده لا شريك له هي الضمانة لبقاء النعم ، وكفران النعم سبب لزوال هذه النعم كما حصَل لقريش (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) النحل .

     عن عبد الله قال : إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا غَلَبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، قَالَ: (اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ) فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ أَكَلُوا فِيهَا العِظَامَ وَالمَيْتَةَ مِنَ الجَهْدِ، حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجُوعِ، قَالُوا: (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) الدخان ، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَادُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا، فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) الدخان، إِلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) الدخان . متفق عليه .

     و من زوال النِّعَم ما هو حاصلٌ علينا في هذه الأيام  في اليمن وغيره من أنواع العقاب .. لا نُفِيق من بلْوَى حتى ندخل في أخرى ، ولا قوَّة إلا بالله . ومن أمثلة ذنوبنا السكوت عن الانحراف في التشريع ومصدره ، و عن الربا و سائر المحرَّمات وعن إهمال إقامة الصلاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعن الترويج لإخراج المرأة وللكوتا النسائية ، و عن الرضا بتمزيق المسلمين بالجنسيات والإقامات والتعامل على أساسها ،وإهمال العمل لجمْع الكلمة و للخلافة ، و السكوت عن مدْح وصاية المحاربين من اليهود والنصارى علينا ورعايتهم لنا ، ومدْح تحسين العلاقات معهم ... وأعظم ما في ذلك أن يتحوّل كلُّ ذلك إلى منهج ، وليس ضرورة عابرة فقط على ألسنة السياسيين .

    وإذا لم نرتدِعْ ونرِجع إلى الله فلن نكون أكرم على الله من قريش عندما كفَرتْ بأنعُم الله .

    3- ما يَجْرِي اليوم في ديار المسلمين يحتاج إلى توبة وتعاونٍ وأُخُوَّة وتماسُكٍ ، ونُصْرَةٍ وكفالةٍ للمُهَجَّرين من دمّاج ، والتغاضي معناه أن نُؤْكَل جميعًا يوم أُكِل الثور الأبيض !! بأموال المسلمين ورجال المسلمين ، و يجب البحث عن الحلِّ في شرع الله ، ولا مانع من خداع أعداء الله (إلّا أن تَتَّقُوا منهم تُقَاة) آل عمران .

     وفي الختام يقول سبحانه : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الأنعام .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©