الأشْهُر الحُرُم الأَربعة

خطبة جمعة في مسجد جمعية أمة في باشك شهير في 28 من ذي القعدة 1439هـ الموافق 10 أغسطس 2018م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/ashhur.mp3

     قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) التوبة.

       1-ذكَر الشوكاني بيان الْآيَة أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَضَعَ الشُّهُورَ وَسَمَّاهَا عَلَى التَّرْتِيبِ يوم خلَق السموات وَالْأَرْضَ، وَجَاء بذلك الْأَنْبِيَاءُ وَنَزَلَتْ الْكُتُبُ، وأن هذا هو الدِّينُ الْقَيِّمُ، وأن مِنْهَا الأَرْبَعَة الحُرُم، فَلا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ، فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِإِيقَاعِ الْقِتَالِ فِيهَا، وَهَتْكِ حُرْمَتِهَا وَقِيلَ يَرْجِعُ الضمير إِلَى الشُّهُورِ كُلِّهَا، وَإِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنِ الظُّلْمِ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

       وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مُحْكَمٌ لَمْ يُنْسَخْ لهذه الآية، ولقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) المائدة، وَلِقَوْلِهِ: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) التوبة ،الْآيَةَ.

       وذَهَبَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السيف، ويجاب عنه بأن الأمر بقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَمُقَاتَلَتِهِمْ مُقَيَّدٌ بِانْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، مثل التقييد بِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ لِلْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ، وَأَمَّا محاصرتهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَهُوَ ذُو الْقِعْدَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَإنَّهُ لَمْ يَبْدأْ مُحَاصَرَتَهُمْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ بَلْ فِي شَوَّالٍ، وَالحرامُ إِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لَا إِتْمَامُهُ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ.      

       وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً أَيْ: جَمِيعًا، وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. كما قَالَ الزَّجَّاجُ مِثْلُ: عَامَّةٍ، وَخَاصَّةٍ، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ ،كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً أَيْ: جَمِيعًا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْأَعْيَانِ إِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الْبَعْضُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ أَيْ: يَنْصُرُهُمْ وَيُثَبِّتُهُمْ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ فَلَهُ الْعَاقِبَةُ وَالْغَلَبَةُ.

      وفي الصحيحين وَغَيْرهمَا عن أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فِي حجَّته فقال: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السّموات وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حرم، ثلاثة مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ».  

      2- وهذا هو التقويم السنَوي القمريُّ الذي يقوم عليه التشريع والتكاليف الدينية كالصيام والحج، والعِدَد من الطلاق والخُلْع والوفاة، وكفَّارات القتْل والأَيمان والظِّهار، وهو ما نَزَل به الدِّين القيِّم كما سبَق، لأنه لا سبيل لِاهتداء الناس إليه إلَّا بالوحي، وأما التقويم السنوي الآخَر وهو الشمسي فهو لِتحديد الفصول الأربعة لِمعرفة أحوال المناخ في الأرض من أجل الزراعة والتجارة وظروف البيئة وغيرها لخدمة حياة الإنسان المادية، فقد عرَفه الناس دون اختلاف، ولا يتكَرَّر الوحي فيه على الأنبياء، بعد تعليمِ الله آدم الأسماء كلها، والله أعلم، وكِلَا التقويمين مما امتَنَّ الله به على عباده، قال تعالى: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم) الأنعام. وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) الإسراء.

      3- ونحن مقبلون على شهر ذي الحجة وهو من الأشهُر الحُرُم، وفيه العشْر التي هي أفضل أيام الدنيا لأنها تجتمع فيها جميع العبادات بما في ذلك الحج، ولا يوجد ذلك في غيرها، فعلينا اغتنامها..

       عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله عز وجل من هذه الأيامِ. يعني أيامَ العشرِ"، قالوا: يا رسولَ الله! ولا الجهادُ في سبيلِ الله؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيلِ الله؛ إلَّا رجلٌ خرجَ بنفسهِ ومالهِ، ثم لم يرجعْ من ذلكَ بشيءٍ".   رواه البخاري والترمذي وأبو داود وابن ماجه.

      وعند البيهقي وهو حسَن كما في صحيح الترغيب قال:"ما من عملٍ أزكى عندَ الله ولا أَعظم أجراً من خيرٍ يعملُه في عَشرِ الأضحى"، قيل: ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيلِ الله، إلا رجلٌ خرج بنفسهِ ومالِه فلم يرجعْ من ذلك بشيءٍ".

      قال: فكان سعيد بن جبير إذا دخلَ أيامُ العَشرِ اجتهدَ اجتهاداً شديداً، حتى ما يكادُ يُقدَرُ عليه.

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©