لا لتفريق العاملين للإسلام إلى أحزاب

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 21ربيع الآخر 1433هـ الموافق 14 مارس 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/ahzab.mp3

    المسلمون جسد واحد لا يجوز تمزيقه و لا بد من مصارحة من يرى التحزّب السياسي ، و المنْع من إرهاب مَن يُصارِح:

    المسلمون كيان واحد لا يجوز توزيعه ، قال صلى الله عليه و سلم: (مثل المؤمنين في توادّهم... مثل الجسد) متفق عليه . و قال صلى الله عليه و سلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان...) متفق عليه .  و لا يدخل في تمزيق هذا الكيان التكتلات الفِطرية  التخصُّصية كا لأُسَر و العشائر و القبائل و الشعوب و المذاهب الفقهية و الحلقات و الجامعات و المؤسسات العلمية و الجماعات الدعوية ، لأن هذه التكتلات فيها معنى الأبوية و الرعاية و الرحِمِيّة و التربية  و الأستاذية ، و لا كذلك مثل الجمعيات و لا الشركات لأن فيها معاني التعاون و التملُّك ،  و لأنها كلها من قبيل التخصُّص و الروابط المأمونة كالأجهزة المتخصصة في جسم الأنسان ، بشرط مُهِمٍّ و هو عدم التعصُّب .

     أما التشكيلات السياسية أو الأحزاب فإنها تشكيلات صراعٍ و تمزيقٍ سياسيّ و استقواءٍ بالعامة و الخاصة  حتى بالنساء ، و إذكاءٍ للعصبيات ، و فيها يتم  استغلال العامة (الدهيماء أو الديمقراطية) ، و فتنة الديمقراطية من عناصرها  القومية و الوطنية و الجنسية و الاستقلالية و الحدود .. و الفيدرالية التي قد تعني التقنين الخاص و تعني نسبةً أعلى من الثروة.. و ما تمزّقتْ دولة الخلافة العثمانية إلا بهذه الفتنة ، و بدأ التَّمزُّق بانتشار الأحزاب القومية العربية و التركية ، ثم تحوّلت هذه الأفكار الديمقراطية من أحزاب إلى دول ، و انقسم العالم الإسلامي إلى سبع و خمسين دولة بعد هذه الصناعة الغربية (الفتنة) التي كان من وسائلها احتلال الأرض و احتلال العقول .

     أُسُس الحزبية السياسية :

     إن التشكيلات الحزبية السياسية تقوم على أساس طلَب الحكم و الولاية  و تداوُل ذلك ، و من سلبيات ذلك أن هذا الطلب مذموم شرعًا ، لأنه :

     1ـ صناعةٌ متعدّدة للشوكة و للسيادة الدينية في وسط المسلمين ، و منازعةٌ لا مناصحةٌ لأهل الشوكة و تفريخٌ و تكثيرٌ للدِّيُوك ، (و الإسلام حريص على وحدة القيادة و السياسة و السياقة و التوجيه كما في السيارة) ، و افتئاتٌ كذلك على النصوص .. مثل قوله تعالى : ( ... أن أقيموا الدين و لا تتفرّقوا فيه ... و ما تفرَّقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم) الشورى ، و مثل قوله تعالى : (و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) هود ، و مثل قوله صلى الله عليه و سلم : ( إنا و الله لا نولّي هذا الأمر أحداً سأله أو حرص عليه) متفق عليه  ، و مثل قوله صلى الله عليه و سلم : (و ألاّ ننازع الأمر أهله) متفق عليه ، و مثل قوله صلى الله عليه و سلم : (الأئمة من قريش)  قال الألباني رواه أحمد بإسناد جيد واللفظ له وأبو يعلى والطبراني و غيرهم ، كما ذكر أنه صحيح في بعض كتبه ، و في (السلسلة) نقل عن القاري أنه نقل عن ابن حجر أن الحديث متواتر ، و قال الأرنؤوط : حديث صحيح بطرقه وشواهده  ، و حكم الأقاليم في ذلك عند انفرادها واقعًا بتعدُّد الحكام ،كحكم دولة الخلافة الأمّ كما ذكر العلماء و منهم الشوكاني في (السيل) ، و مثل قوله صلى الله عليه و سلم: (و إن تأمّر عليكم عبد ...) قال الألباني : صحيح , رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حديث حسن صحيح  ، و مثل قوله صلى الله عليه و سلم: (لن يفلح قوم ولَّوا أمْرَهم امرأة) رواه البخاري ، لأنهم يَسْتَقْوُون أيضا بالنساء  .  

    2ـ و على أساس زَرْع الولاء و البراء في وسط المسلمين و ذلك تجديدٌ لعصبيات الدول في تمزيق المجتمع و تكرارِ ما يشبه الجنسيات في صناعة الامتيازات في الوظائف و الكفالات و الأستملاك و التعامل الانتقائي مع الكفاءات و منهم العلماء و الدعاة و الجماعات الإسلامية ، و الدليل على سلبية هذه الأحزاب أنها لا تستطيع أن تصلح نفسها بأن تتوحّد مثلاً أو تتبادل الكفاءات في مواقع المسؤولية ، رغم أنها تظن أنها صفوة المجتمع ، فإذا فشلتْ في ذلك فكيف ستصلح المجتمع و تُوَحِّده ؟ و في الوقت نفسه تتساهل في مبدأ البراء من الكافرين في المبادئ و التعامل .. إنها تهرُب من كثير من الواجبات عند العتاب بالهروب إلى الأمام بالقول بأنها ستفعل ذلك في المستقبل ؟! ، و الله يقول في وصف الولاء (و ليس البراءَ) بين المؤمنين : (و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياءُ بعض) التوبة . و يقول سبحانه: (أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين) المائدة . و يقول جل و علا: ( أشداءُ على الكفار رحماءُ بينهم) الفتح ، و يقول عليه الصلاة و السلام : (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، و هم يدٌ على مَن سِواهم ، و يسعى بذِمّتهم أدناهم) رواه النسائي و أبو داود و الحاكم و قال الألباني و الأرناؤوط صحيح  

     3ـ و على أساس التعاون المزعوم في داخل هذه الأحزاب ، و إهمال ذلك مع بقية المسلمين ، و الله يقول لعموم المسلمين مع عموم المسلمين : (و تعاونوا ) المائدة ، و في النهاية يتم اختزال التعاون المزعوم في فئات و لوبيهات داخل الأحزاب نفسها ، و تنتشر من جديد ثقافة المُلك العضوض و المُلك الجبري .. فما كان بنو أمية و بنو العباس و بنو عثمان إلا أحزابا ، ثم يتم اختزال التكتل في أقلية في الداخل ، وما المماليك والحكام العصريون الجبْريون إلا أحزاباً أيضاً.

     البديل :

     و البديل هو أن تبقى الروابط الفطرية التي سبق ذكرها و تتم المُطاوَعة و تقليل الخلافات السياسية إلى أقصى حد ممكن ، و توحيد مرجعية العلماء للأمة لاسيما في مجال السياسة ، لا تحزيبها و تشتيتها ، و تقليل الوعول و اليعاسيب ، و يبقى وضع الجميع كما كان الأسلاف شيوخاً و تلاميذ مُناصِحين ، لا منازعين و لا متنازعين مُتَحَزِّبين .. و يسعى جميع المسلمين إلى لَمِّ الشَّمْل بكل اجتهاد إلى أن يعيدوا كيانهم العالَمي المُوحَّد ، و الذين يعيشون في الظل من القامات العلمية و الدعوية من الجماعات و يتنازلون عن الواجهة ، محمودون بتنازلهم كما فعل أهل الشورى الذين اختارهم عمر ، و كذلك سعدٌ و ابن عمر و ابن عباس و الحسن بن علي و الحسن البصْري و الأئمة الأربعة ، عندما لم يزاحموا أهل الشوكة ، و لا يصنع الكيانات المستقرة و التحالفات إلا التواضعات و التنازلات و الإيثارات في هذه المجالات ..  و ليست التحالفات و الكيانات الضخمة حِكْرًا على الكافرين بل المسلمون أوْلَى بها .. قال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيَعًا لستَ منهم في شيء، إنما أمرهم إلى الله ثمّ يُنَبِّئُهم بما كانوا يفعلون) الأنعام .

     و بسبب التمزُّق بين المسلمين يتفرّجُ اليوم أكثر من مليار مسلم على إخوانهم في سورية ، و لا يكادون يفعلون شيئا يُذْكَر ، و في الماضي قام النبي عليه الصلاة و السلام مع الصحابة بحصار بني قينقاع ثم طردِهم لأجل امرأة أساء إليها يهودي ، و تحرّك المعتصم بجيش عرمرم لفتح عمُّوريّة من أجل استغاثة امرأة .

     و كثيرًا ما يضحك الكافرون على المسلمين بزعْم التسامح المائع و محاربة الكراهية ، و هم أكثر الناس تماسُكًا و توحُّدًا فيما بينهم على الكراهية لمواجهة المسلمين إلى درجة استكثار الحجاب على الملايين الكثيرة من المسلمين الأوروبيين ،  و كما فعلوا في العراق ، عندما لم يخرجوا حتى مزّقوه ، و كما فعلوا أخيراً في تقسيم السودان ،  و فيما يريدون الآن فِعْله فينا في اليمن تحت مزعوم العدالة الانتقالية .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©