حوار مع مجلة المنتدى

 

                                                   بسم الله الرحمن لرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
التعريف:
محمد الصادق المغلس المراني، من آل المغلس الذين ينتهي نسبهم إلى عمير ذي مران الصحابي، قيل: همدان -كما في الإصابة- والذي كان مستقر في بيت مران في أرحب، وقد هاجر آل المغلس إلى مناطق مختلفة في اليمن، منها: الحجرية قبل مئات السنين، وقد ولدتُ في قدس التابعة لمحافظة تعز في 25/ من ذي الحجة 1371هـ، الموفق 14/ سبتمبر 1952م.
وحفظت القرآن الكريم قبل العاشرة، ودرست الابتدائية في عدن والإعدادية في التربة والثانوية في تعز، وقليلاً في كلية العلوم، ثم في كلية التجارة جامعة صنعاء، ودرست على يد بعض العلماء في حلقات المساجد في هذه المدن: كالشيخ / إبراهيم عقيل، والشيخ / عبد الرحمن قحطان، والشيخ / سعيد بن سعيد بـ(تعز)، والشيخ / أحمد سلامة، والشيخ / محمد إسماعيل العمراني بـ(صنعاء)، ودخلت معهد القضاء بصنعاء بمعادلة شرعية جامعية، وتخرجت بعد سنتين في الدفعة الأولى، وعملت قاضياً في التفتيش القضائي بوزارة العدل لمدة تسع سنوات، ثم دخلت مجلس النواب لمدة أربع سنوات نائباً عن إحدى دوائر العاصمة، وأعمل الآن مدرساً في جامعة الإيمان بصنعاء، وقد عملت في الدعوة إلى الله مع الشيخ / عبد المجيد الزنداني وبعض الدعاة لسنوات كثيرة في صنعاء والمناطق الشمالية في اليمن، واستفدت من هؤلاء الدعاة -ولاسيما الشيخ / الزنداني- كثيراً.
.................................................
                                   

س1: كانت لكم تجربة في العمل البرلماني، ما هي خلاصة نظرتكم للمشاركة بهذه البرلمانات بشكلها الحالي؟ ومدى خدمتها للطرح الإسلامي بشكل عام؟
ج1: بذلت جهداً مع عدد من الزملاء في الاستفادة من مجلس النواب لمحاولة إصلاح ِالأوضاع عبر محاولة إصلاح القوانين والدستور، وعبر السعي بتفعيل شيء من الرقابة على المسئولين الحكوميين من قبل المجلس، وعملت على توظيف ما عندي من خبرة قانونية وشرعية -بحكم عملي القضائي- للإسهام بذالك، ولكنني وجدت كل ذلك يصطدم بالمنهج الشرعي بالواقع، وقد سبقني إلى مثل هذه النتيجة شيخي القاضي / العمراني، وأستاذي الدكتور الديلمي؛ فلم يترشح أي منهما للمجلس مرة ثانية.
أما المنهج الشرعي السليم: فإنه لا يقبل التسوية في التصويت في قاعة المجلس -أو حتى في لجانه- بين العالم والجاهل، كما لا يقبل التصويت في المسائل التي وردت فيها نصوص شرعية، ولكن مجالس النواب في بلاد المسلمين لا تلتزم بذلك، وكمثال على ذلك: وجود مواد تبيح الربا في القوانين رغم قطعية حرمة الربا في النصوص الشرعية، وأما الواقع فلا يخفى حال مجالس النواب في البلاد الإسلامية التي لا تقدم ولا تؤخر، والت تعتبر إحدى ديكورات السلطة كالسلاح الوطني والإذاعة وحرس الشرف... إلخ.
وهذه المجالس لا تنفك في الغالب عن أساليب الترغيب والترهيب والتزوير والأغلبيات المريحة ومباركة ولايات العهد، ولا يستطيع مجلس أن يحاسب وزيراً، فضلاً عن أنه يحاسب حكومة أو يعزلها، وفي أحسن الأحوال تتعامل معها الحكومات بسياسة: (قل ما تريد وأنا أفعل ما أريد)، وأما في غالب الأحوال فلا يسمح حتى بالقول، ويمنع كل من يريد القول للوصول إلى هده المجالس، وإن وصل مرة فلا يسمح له مرة أخرى؛ لأن روح الاستبداد لا تطيق حتى الكلمة فضلاً عن التغيير.
ومعنى أن هذه المجالس ملهاة للناس وشغل للناس في إيجادها وفي ممارستها، تستنزف الأوقات والجهود دون جدوى، وقد يقال: ما هو البديل؟ ونقول: ماذا كان الدعاة يفعلون قبل انتشار موضة هذه المجالس؟ لقد كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالأساليب الشرعية، ويجري الله على أيديهم الخير الكثير، فعليهم الآن أن يلتزموا بذلك.
بل في معظم البلاد الآن يضيق على الدعاة تضيقاً شديداً في الوصول إلى هذه المجالس -كما ذكرنا- حرماناً لهم من مجرد الكلمة، فلم يبقَ أمامهم سوى قاطعوا أما شاركوا وفشلوا سوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفريضة الملازمة لجميع الأحوال.
.................................................
                                   

س2: الشعب اليمني يحب الدين والعقيدة بالفطرة، هل استطاعـت الحركات -الجماعات الإسلامية- استثمار هذا التوجه الفطري لتقديم النموذج الأفضل للفرد المسلم؟ ما تقييمكم العام للوضع الحالي؟
ج2: حاولت الجماعات الإسلامية أن ترتقي بأصل التدين الموجود عند اليمنيين نحو الالتزام الأفضل والأشمل، ونجحت في ذلك إلى حد متميز بالنسبة لما عليه الأحوال في معظم بلاد المسلمين، ولكن هذه الجماعات أنتجت قطاعات من الناس تحمل سمات وبصمات هذه الجماعات، سواء في الإيجابيات أم في السلبيات، فبعضها تبالغ في جانب العلم مثلاً، وبعضها في جانب السياسة، وبعضها في جانب إصلاح شخص الفرد دون النظر إلى ارتباطه بالمجتمع، وهكذا..
ومعنى هذا أنها لم تتمكن بصورة عامة من استثمار التدين والارتقاء به بصورة متوازنة على النحو المطلوب شرعاً، والذي كان عليه سلفنا الصالح، وإن كانت هنالك استثناءات لا بأس بعددها في أتباع هذه الجماعات، وهي في نمو مطرد ممن يحرصون على الالتزام بالنموذج المتوازن.
كما أن هذه الجماعات لم تتمكن من كسر الحواجز التي بينها، والوصول إلى درجة الأخوة الحقيقية التي فرضها الإسلام، وإلى مستوى التلاحم والولاء الذي يجعل من الجميع مع سائر المسلمين جسداً واحداً، وإن كانت هناك محاولات أخذت تبذل للانتقال من مجرد الكلام والأمنية والشعار إلى الحقيقة والواقع.
والمعانات الكبيرة التي يلقيها الجميع من الأعداء في الظروف الراهنة تدفع في هذا الاتجاه، والأمل العظيم في الله جل وعلا أن يتداركنا بائتلاف القلوب، ولاسيما إذا علم منا الصدق (( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ))[الأنفال:63]، وقد ذكر عليه الصلاة والسلام -كما في الحديث الذي رواه أحمد وغيره- أن الأمر سيؤول إلى أن يكون المسلمون جنود مجندة، ومن ذلك جند اليمن، بمعنى أن المسلمون في اليمن في آخر الزمان سيشكلون جنداً واحداً وكتلة واحدة بأذن الله، وهذا مؤذنٌُ كذلك -إن شاء الله- بوحدة التصور وتوازن وتكامل الالتزام.
.................................................
                                   

س3: استطاعت الحركة الإسلامية في اليمن أن تنسق مع مختلف الاتجاهات والتنظيمات في مختلف أبعاد العمل السياسي وفي مناسبات مختلفة.. هل ترون أيضاً أنها استطاعت من خلال ذلك التأثير في الاتجاهات أم أنها تأثرت؟
ج3: الاتجاهات التي عندها خلل في التصور والاعتقاد لا شك أن التعامل معها يحتاج إلى حذر، تماماً كما يتعامل الطبيب مع المصاب بمرض، فإذا لم يكن حذر؛ فقد ينتقل إليه المرض؛ ولذلك فإن الإسلاميين مطلوب منهم -عند التعامل مع غيرهم- أن يكونوا في وضع العطاء والتأثير والاعتداد الكامل بما عندهم، وفي وضع الوقاية والحصانة من التأثر بالعدوى والاستعداد للمفاصلة عند أول شعور بذلك، قال تعالى: (( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ))[الأنعام:68]، ولا يجوز التساهل عند هذا التعامل، فالتأثر بالآخرين وارد، وإذا كان ذلك قد كاد يحصل للرسول صلى الله وعلية وسلم، فغيره أولى، قال تعالى: (( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ))[الإسراء:73]، لكن عصمة الله (( وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ))[الإسراء:74] * (( إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ))[الإسراء:75]، وقد أوضح سيد قطب رحمه الله معنى ذلك إيضاحاً في (الظِلال) وحذر الدعاة من التأثرات والتنازلات.
كما أن الرسول صلى الله وعلية وسلم كاد من شدة حرصه أن يطرد بعض الضعفاء من المسلمين؛ كنوع من الاستجابة المؤقتة لبعض المشركين؛ لعلهم أن يسلموا، فنهاه الله عن ذلك، فقال: (( وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ))[الأنعام:52]، وقال له: (( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ))[الكهف:28]، وعاتبه في موقفه من الأعمى ابن أم مكتوم، وهذا كله يدل على التأثر عند التعامل إلا ما عصم الله.
ومن خلال وقع التنسيق بين الحركات الإسلامية والاتجاهات الأخرى نجد تأثراً من هذه الحركات في تلك الاتجاهات، إذ صلح بعض أفرادها وبدأ بعضهم يلتزم ببعض العبادات، وبدأ بعضهم يتفاعل ويتعاطف مع الطرح الإسلامي والقضايا الإسلامية، وصار منهم من يتدرج في التخلي عن العلمانية، ويقبل بأن الإسلام عقيدة وشريعة مع نوع من الغبش وعدم الوضوح أحياناً وهكذا.
وبالمقابل فإن بعض أفراد هذه الحركات لم تكن عندهم حصانة كافية ولا علم وافٍ؛ فتأثروا ببعض أفكار هذه الاتجاهات، أو تبنوا فكراً هجيناً بغرض التقريب بين الفكر الإسلامي وفكر هذه الاتجاهات الذي سمته العامة أنه غريب مستورد، فأصبحت تجد في صفوف الحركات الإسلامية من يتبنى مثلاً الفكر الديمقراطي، وحرية الرأي والرأي الآخر، والذي يعني بعبارة أخرى: حرية الإسلام وحرية الكفر أو الردة في ديار الإسلام، وكذا التعايش بين الحق والباطل مع أن الأصل أن المسلم حساس لا يقبل الإقرار لأي منكر بحرية الوجود والبقاء، ومن هؤلاء المتبنين من يقول لك: إنما نتبنى هذا الفكر مناورة لا اعتقادا، ومنهم من وصل إلى حد الافتتان والتبني الحقيقي للديمقراطية، فيقول لك: إنه لم يعد يصلح في هذا العصر إلا هذا الفكر، وهو المناخ المناسب لتعريف الناس بالإسلام ودعوتهم إليه.
ولا شك أن مثل هذا خلل كبير لا يمس الوسائل فحسب، وإنما يمس العقيدة، ويؤدي إلى اعتقاد النقص في الإسلام، وأنه لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بغيره من الوضعيات والمستوردات، وتبني ذلك في مجال الفكر لا يجوز ولو على سبيل المناورة، فكيف إذا كان على سبيل الاقتناع والاعتقاد؟ قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ))[الأحزاب:70] * (( يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ))[الأحزاب:71].
.................................................
                                   

س4: عرف عن الدعوة السلفية في اليمن انغلاقها حول مجالات محصورة أبرزها: مجالات التعليم الشرعي في المساجد والمعاهد، ونحو ذلك.. هل تعتقدون أن أسلوب العمل في هذه الدعوة قد تغير نحو الأفضل، أم أنه مازال يعاني من نفس المشكلة؟
ج4: الدعوة السلفية قاسم مشترك بين كل من يسير على منهج السلف الصالح، وهؤلاء بفضل لله موجودون في كل زمان ومكان على تفاوت بين الكثرة والقلة، وهذا بالنظر إلى المنهج، وبغض النظر عن التسمية.
أما الإخوة الذين اشتهروا بهذه التسمية فإنهم أكثر من تيار -كما هو معلوم- وهناك من هم من يمارس شمولية الإسلام بقدر المستطاع ولا ينغلق على جانب أو جوانب، ومنهم -كما ورد في السؤال- البصيرة في الواقع حقها، ويقل تناوله للجانب السياسي في الإسلام وقضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد يصل الأمر بالبعض إلى حد إحسان الظن بمن لا يحكم بما أنزل الله، أو بمن يتآمر على دين الله؛ نظراً للجهل بالواقع، في حين أنهم قد يسيئون الظن أحياناَ ببعض إخوانهم المسلمين، ومثل هؤلاء مدعوون للتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله على بصيرة، ومن ذلك البصيرة بالواقع، قال تعالى: (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ))[يوسف:108].
.................................................
                                   

س5: أهل السنة والجماعة.. الطائفة الناجية.. الطائفة المنصورة: مسميات شرعية يسعى الجميع من أبناء الاتجاهات الإسلامية للانتساب إليها وتحقيق الانتماء إليها! ما هي أبرز المعاني التي تقود المسلم للسير على هذا المنهج بشكل صحيح؟
ج5: أبرز ما يقود المسلم للالتحاق بالطائفة الناجية هو أن يعرف صفاتها، وقد بَين عليه الصلاة والسلام بقوله -كما في الحديث المحتج به عند المحدثين-: { ما أنا عليه وأصحابي }، وقد رواه الترمذي والحاكم، بل بين ذلك ربنا جل وعلا بقوله سبحانه: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))[التوبة:100]، ومعرفه ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أو المهاجرين والأنصار يكون من خلال القرآن، فقد كان عليه الصلاة والسلام خلقه القرآن، وكذلك من خلال السنة والآثار المدونة بتفاصيل شاملة لكل شئون الحياة في دواوين السنة، كالأمهات الست والمسانيد والجوامع والمصنفات...إلخ.
وكلما ازداد التوسع في الاطلاع على ذلك؛ قلَّت الحاجة إلى فضول الاجتهادات والفلسفات والمستوردات، وهذه الطائفة موجودة في كل مكان وزمان، وليست في جماعة دون جماعة أخرى.
.................................................
                                   

س6: تجربة العمل الإسلامي في بناء المؤسسات والمشاريع المختلفة تجربة توسعت خلال العقد الحالي توسعاً كبيراً.. هل قدمت هذه المؤسسات الصورة المطلوبة؟ وما رأيكم بمن يقول: إنها لا تمثل سوى خدمة للقائمين عليها؟
ج6: لاشك أن هذه التجربة لها إيجابياتها الكثيرة بإعادة الجانب التطبيقي للإسلام في المجالات الخدمية ونحوها، والتي عمل أعداء الإسلام وتدهور أوضاع كثير من المسلمين على انحسارها في هذا العصر.
وكثير من هذه المؤسسات نفع الله بها الناس في مجالات تعليمية وتربوية واقتصادية وصحية وإغاثية وغير ذلك، ووصلت إلى المستوى المطلوب أو إلى قليل من ذلك، بالنظر للوسط المليء بالعقبات الذي تعمل فيه هذه المؤسسات.
أما القول بأن هذه المؤسسات لا تمثل سوى خدمة للقائمين عليها، فهذا القول فيه تحامل، وأن كان قد يصدق جزئياً على قلة من المؤسسات حصرت نفسها وخدماتها في النطاق الحزبي الذي يتنافى مع حقيقة أخوة المسلمين وعموم الولاء لجميع المسلمين، وخير الناس أنفعهم للناس.
.................................................
                                   

س7: تنوعت المحاولات في السنوات الأخيرة لإضعاف التعليم الشرعي والديني، وتجفيف منابعه، مَن المخطط والمستفيد من ذلك؟ وما هي رؤيتكم للسبيل إلى الحد من تأثير هذه الهجمة؟
ج7: المخطط لذلك والمستفيد منه -كما هو معلوم- هم اليهود والنصارى ومن يدور في فلكهم في بلاد المسلمين، وقد تناقلت وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة أن هؤلاء هم وراء السعي لتجفيف منابع التعليم الديني، ويكفينا قول الله سبحانه: (( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ))[البقرة:120]، وهذا جزء من مخططهم وبتنفيذه ينتقلون إلى ما بعده، حتى يجردوا الأمة من دينها تماماً لا سمح الله.
وسبيل الحد من تأثر هذه الهجمة: هو ألا يستسلم الناس لهذا المخطط، وأن يمارسوا كل الفعاليات المتاحة والممكنة دون تقصير؛ لإحباط المخطط، وأن يركزوا كثيراً على المساجد وإحياء رسالاتها وإعادة حلقاتها العلمية، ففيها من اليسر والبركة والانتشار والتعميم والاستعصاء على خطط أعداء الله الشيء الكثير، (( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ))[التوبة:32].
.................................................
                                   

س8: نتيجة الانفتاح العالمي، فقد خاض الناس في قضايا متعددة فيها تقيم فتاوى العلماء والجماعات، وأن فلاناً هو العالم الوسط وغيره متشدد، وأن فلاناً يفهم الواقع وغيره بضد ذلك. ما تعليقكم على ذلك؟ وكيف يستطيع المسلم التزام المنهج المسدد دون إفراط ولا تفريط؟
ج8: لا بد أن يعرف المسلم عن من يأخذ دينه، وعندما كثرت الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وضع العلماء الربانيون ضوابط مأخوذة من الكتاب والسنة بتحديد من تؤخذ عنهم الرواية، وحين كثرت الفرق والمذهبيات وضعوا كذلك ضوابط بتحديد من تأخذ عنهم الفتاوى والاجتهادات، ولا شك أننا -ونحن في عصر كثرة الفتن والأهواء- محتاجون إلى الالتزام بتلك الضوابط عندما نبحث عن فتوى.
فلا بد أن يكون المفتي من أهل السنة والجماعة متحرياً لما كان عليه الرسول وصحبه في عقيدتهم وسلوكهم وسنتهم.. إلخ، وولائه لله ولرسوله وللمؤمنين عموماً، ولا بد أن يكون عالماً متخصصاً أهلاً للاجتهاد أو لنقل ما يقوله أهل الاجتهاد والثقات، ولا بد أن يكون عدلاً ورعاً غير مرتكب لقول أو فعل يجرح العدالة، بعيداً عن البدع.. إلى آخر الضوابط والشروط.
وإذا تعددت الفتاوى رغم ذلك؛ فلا مانع من الاختيار من بينها، بشرط ألا يكون الدافع للاختيار هو الهوى، بل يختار المستفتي الفتوى التي يرجح بحسب فهمه أنها الأرضا لله، والله يقول: (( فَبَشِّرْ عِبَادِي ))[الزمر:17] * (( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ))[الزمر:18]، ومع مراعاة اتقاء الشبهات { فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام }متفق عليه، و { الإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك }.
.................................................
                                   

س9: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشكو من قلة العاملين بها على مستوى الفرد والجماعة -إلا ما رحم ربك- ما الأسباب التي أدت بنا إلى هذه الحالة؟ وكيف يمكن استبدال هذا الوضع؟
ج9: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أبرز ميزة تميزت بها هذه الأمة بعد أمة بني إسرائيل التي لعنت بأسباب منها: ترك هذه الفريضة (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ))[آل عمران:110].. (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ))[المائدة:78] * (( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ))[المائدة:79]، وأداء هذه الفريضة يكون باليد أو باللسان أو بالقلب مع المفاصلة، وكل ذلك تبع للقدرة والاستطاعة، والأداء باليد أعلاه الجهاد، وأعلى الجهاد كلمة الحق عند سلطان جائر -كما وردت بذلك النصوص- وأبرز سبب جعل الأمة تتراجع عن أداء هذه الفريضة -ما عداء الطائفة الظاهرة التي لا يضرها من خذلها- هو الوهن والخوف على الرزق والأجل.
واستبدال هذا الوضع يتم بتربية الناس وتوعيتهم وتعميق العقيدة الصحيحة فيهم؛ حتى لا يخافوا إلا الله، ولا يخشوا على رزق أو أجل، فيرتفع بذلك الوهن عنهم، ولا بد أن تكون القيادات العلمية والدعوية أسوةً وقدوة في ذلك؛ حتى يحذوا الناس حذوها، ولا تركن إلى الدنيا وزينتها ومتعاها الزائل، ثم تبرر لنفسها ما هي فيه من وهن، وأنها تخاف على الدين، وتحرص بسكوتها عن المنكرات على عدم استثارة الآخرين لاستئصاله، فإن هذه التبريرات ليست سليمة، ودين الله محفوظ لا يمكن أن يستأصل، ولا بد أن الإقدم على التضحيات في سبيله مهام عظمت فيها شرف وشهادة، وللأمة أسوة برسولها عليه الصلاة والسلام الذي تعرض شخصياً لإيذاءات كثيرة، وبخلفائها الراشدين الذين مات ثلاثة مهم شهداء، كما لها أسوة بشهداء الأخدود، وبموقف مؤمن آل فرعون، وموقف المؤمن المذكور في سورة (يس) .
بل وموقف أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام من قومه وأصنامهم.. إلى آخر المواقف العظيمة من الأنبياء والصالحين، مع التحلي مثلهم بالحكمة وحسن التصرف.
.................................................
                                   

س10: ما هو الأسلوب الأمثل الذي ينبغي أن تستخدمه الاتجاهات الإسلامية في مسيرتها الدعوية ليكون خطابها أكثر فعالية في تحقيق أهدافها؟
ج10: خير أسلوب هو أسلوب النبي عليه الصلاة والسلام، وقد كان منهجه ما ورد في قوله تعالى: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))[الجمعة:2]، فلا بد من التأسي به (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ))[الأحزاب:21]في الاعتماد على تلاوة آيات الله على الناس التي تفعل فيهم ما لا يفعله أي كلام آخر حتى لقد كان جل اعتماد الرسول عليه الصلاة والسلام في خطبه على القرآن، تقول أم هشام بنت الحارث: { ما حفظت (ق) إلا من فم رسول الله يخطب بها كل جمعة }، رواه مسلم؛ وذلك لأنه (( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ))[الزمر:23]، ولابد من التزكية وهي تعني من ضمن ما تعني التربية والتطبيق في ضوء هذه الآيات، وتحويلها إلى خلق وواقع، وهذا يستدعي أن يكون المزكي في نفسه قدوة ونموذجاً، فلقد كان المزكي الأول عليه الصلاة والسلام خلقه القرآن.
ثم لا يكتفي بالتلاوة والتزكية، بل لا بد من تثبيت تلك الآيات مع تفسيرها وبيانها، ومكملاتها من السنة في القلوب بتحفيظها قدر الإمكان؛ لتكون معيناً دائماَ لكل مسلم في حياته النظرية والعملية، وذلك هو المقصود بقوله تعالى: (( وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ))[البقرة:129]، والكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة كما هو معلوم.
وبعد ذلك يقوم هؤلاء المتلقون بالنقل إلى غيرهم مع استمرارهم في الالتزام والترقي، فقد قال عليه الصلاة والسلام: { بلغوا عني ولو آية }-كما في البخاري- وقال سبحانه مبدياً ضرورة أن كل تابع للنبي عليه الصلاة والسلام لا بد أن يكون داعية (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ))[يوسف:108].
وهذا الأسلوب هو الأسلوب الفعال الذي جعل من الأميين الذين بعث فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام طليعة خير أمة أخرجت للناس، ولا داعي أن يشغل الناس أنفسهم بما يسمى بالنظريات والأساليب الحديثة والمستوردات إلا بالقدر المتوافق مع الأسلوب النبوي؛ لأنه { خير الهدي هدي محمد عليه الصلاة والسلام }-كما في الحديث الذي عند مسلم- والاتجاهات الإسلامية إذا كانت منتمية إلى أهل السنة والجماعة وليست من فرق الضلال -كالرافض ونحوهم- فلا بد أن تحرص على وجود التنسيق في جهودها؛ لتكون أكثر فعالية، ذلك التنسيق الذي ينتهي إلى التوحــــد والتــــلاحم (( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))[الأنفال:46].
.................................................
                                   

س11: من المسئول عن لم شمل العمل الإسلامي، والسعي لتكامله في ضل التكالب العالمي على الأمة، وما توجيهكم للتقدم بخطوات عملية في هذا المسار؟
ج11: في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان الذي يعمل على لمِّ الشمل هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن بعده انتقلت المسئولية إلى خلفائه الماضين على طريقته، ومع غياب الخلافة الإسلامية هذه الأيام يكون أولى الناس بالقيام بهذه المسئولية هم علماء الأمة الملتزمون بالكتاب والسنة؛ لأن العلماء هم ورثة الأنبياء -كما في الحديث-؛ ولأنه لهم المكان الرفيع عند الله وعند الأمة (( يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ))[المجادلة:11].
ولا بد أن تسعى الجماعات المنتمية لأهل السنة والجماعة لاجتماع علمائها؛ لكي يفرزوا من بينهم مرجعية للعمل الإسلامي يتوحد في ضلها لمواجهة التكالب العالمي والتهيئة لإعادة الخلافة الموعود بعودتها.
ومع التجرد ووجود الصدق ونبذ الهوى ونبذ الحرص على الزعامة، سوف يوفق الله الأمة لعودة الأخوة والوحدة، والتأليف من جديد: (( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ))[الأنفال:63].
.................................................
                                   

س12: عرف عنكم موقف صلب أمام المدرسة العقلانية التنويرية بمختلف روادها في الساحة الإسلامية.. لماذا اتخذتم هذا الموقف؟ وما هي السلبيات التي جعلتكم تنحون هذا المنحى؟
ج12: هذه المدرسة تتجه نحو التقليل من أثر النصوص في الواقع؛ لتكون النتيجة إحلال الآراء البشرية المحلية أو المستوردة محل النصوص بشكل عام، أو محمل كثير منها.
وهذا التوجه في الغالب سببه التصدر مع الجهل بالنصوص والعلوم المتعلقة بها، وسببها الهوى، وقد يجتمع السببان، فتجد مثلاً أصحاب هذه المدرسة يسعون لتعطيل نص حد الردة ونص حد الزاني المحصن، والنصوص القاضية بقوامة الرجال على النساء، والنصوص المانعة من ولاية غير المسلم على المسلم، والنصوص المانعة من مولاة الفرق الضالة: كالرافض والباطنية، والنصوص القاضية بمفاصلة أهل الكتاب وغيرهم من الكافرين، والنصوص التي تذكر بعض الغيبيات: كظهور المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى، والتي تذكر أحوال الجن، والنصوص الواردة بالمعجزات والكرامات، وغير ذلك من النصوص التي لكثير منها علاقة بالعقيدة، وكثير منها قطعي؛ كأنهم يقللون من شأن السنة النبوية.
ومعنى هذا أن هذه المدرسة تسعى لانتقاص الإسلام نفسه وعقيدته وشريعته، فهي خطر كبير، وهي في حقيقتها انسلاخ عن كثير من النصوص، والأولى أن تسمى: المدرسة الانسلاخية نسبة إلى ما ورد في قوله تعالى: (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا ))[الأعراف:175]، فكثير من هؤلاء لو أقيمت عليهم الحجة بذكر الأدلة والنصوص يبقى مصر على موقفه؛ فينطبق عليه الوصف الوارد في الآية، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بالعقيدة والقطعيات عند أهل السنة والجماعة، ولا ينبغي وصف مدرستهم بالعقلانية أو التنويرية أو العصرانية؛ لأن في ذلك نوع من المدح لهم، وتغريراً للناس، فالعقل السليم يعرف قدره ويخضع للنصوص، والتنوير لا يمكن أن يكون بغير الكتاب والسنة، وظروف العصر عالجها الوحي الصالح لكل عصر، والله يقول: (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ))[الأحزاب:36]، ويقول: (( قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ))[المائدة:15]، ويقول: (( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ))[النحل:89]، ويقول: (( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.. ))[الحشر:7]. إلخ.
.................................................
                                   

س13: يطلق عدد من المحسوبين على الفكر والثقافة أسئلة مفادها: إلى متى يضل الإسلاميون يعيشون في وهم إقامة المجتمع المسلم وفق الشريعة الإسلامية، وهم متخلفون تقنياً وتكنولوجيا ومادياً؟ فما جوابكم لمثل هذا التساؤل؟
ج13: الإنسان روح ومادة؛ وإذا صلح أمر الروح صلح أمر المادة تبعاً، وهذا ما يفعله الإسلام، والعالم المتقدم اليوم مادياً يعاني ما يعاني من النكبات والكوارث، بل هو مهدد بزوال هذا التقدم كله بضغطة على الزر النووي؛ لذلك فإن التقنية وحدها ليست حلاً لمشاكل العالم.
والمسلمون يملكون الحق، فلو أحسنوا تقديمه للعالم؛ فربما تحول إليهم أساطين هذه التقنية والتقدم المادي، كما حدث في الماضي حين دخلت أمم الأرض المتقدمة مادياً في الإسلام، وحصل الوئام بين الروح والمادة؛ فقامت تلك الحضارة الإسلامية العظيمة.
والإسلام اليوم ينتشر بقوة كبيرة بين أمم الأرض المتقدمة مادياً، رغم عدم وجود خلافة تدعمه، ورغم ما يعانيه أتباعه من السلبيات، فكيف لو قامت الخلافة؟!
ونحن موعودون -كما في النصوص- بوصول الإسلام إلى كل بيت في الأرض، هذا بالإضافة إلى أنه ليس ما يقال عن تخلف المسلمين -من كلام كثير- صحيح، ففيه مبالغه؛ إذ أن هناك ثروات هائلة في بلاد المسلمين وكفاءات عظيمة، وكثير منها مهاجر في ديار الكفر في أمريكا وأوروبا، عشرات الآلاف من الطاقات الإسلامية المتفوقة والمبرزة في مجالات التقنية.
وعدم الاستفادة من هذه الإمكانات المادية والبشرية إنما هو بسبب الأنظمة الفاسدة في بلاد المسلمين، وعدم وجود دولة الخلافة، وقد استطاع اليهود -رغم كفرهم وسلبياتهم الهائلة وقلة عددهم- أن يقيموا دولتهم ويصلوا بها إلى ما وصلوا في فترة وجيزة، أفلا يكون المسلمون أقدر منهم في ضوء ما ذكرنا؟!
.................................................
                                   

س14: تناقل عدد من المثقفين اليمنيين عبر الوسائل الإعلامية كلاماً مكرراً لبعض المفكرين، ينص على أن علماء الشرع والقيادات الإسلامية تزعم بنفسها امتلاك الحق المطلق في تفسير مفاهيم الشريعة، وإطلاق الفتوى والأحكام على كل من يخالفها.. بماذا ترد على مثل هذه المقولات؟
ج14: ليس علماء الشرع هم الذين يزعمون لأنفسهم هذا الحق، وإنما الشرع نفسه هو الذي أعطاهم ذلك، وكذلك المنطق السليم، فالله يقول: (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ))[النحل:43]، والرسول صلى الله عليه وسلم بين أن العلماء ورثة الأنبياء -كما مر- وهناك كثير من النصوص في هذا الباب.
والمنطق السليم يقضي كذلك بأن الذي يفتي في شرع الله هو المتخصص فيه، وهذا ما يسري في كل التخصصات، ولا يقبل الناس غيرهم، ففي مجال الطب: لا يقبل الناس أن يفتي أو يجري العمليات إلا طبيب متخصص، ولا يقبلون غيره مهما بلغ من الذكاء والتفلسف، وفي مجال الهندسة: لا يقبلون مخططاً لعمل إنشائي وتنفيذاً له وإشرافاً إلا بمعرفة مهندس، وفي مجالات الفلك والفضاء والتصنيع و... إلى آخره كذلك.
فكيف يريد هؤلاء المعترضون أن يخرقوا هذا المنطق في مجال العلم الشرعي؟! مع تسليمهم به في المجالات الأخرى، وزيادة في الإيضاح نقول لهم: إن التخصص ليس معناه فرض الوصاية من مجموعة من الناس؛ إذ كما أنه بإمكان أي أحد أن يتعلم الطب فيفتي فيه، أو الهندسة أو نحو ذلك، فكذلك الحال بالنسبة للعلم الشرعي، يمكن لأي أحد أن يتخصص فيه ويستكمل شروط الفتوى ويكون مفتياً.
.................................................
                                   

س15: كيف ترون وضع الأمة المسلمة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي؟ وهل تعتقدون أن هذا التاريخ أحدث تغيراً إيجابياً أو سلبياً في حياة أمتنا؟
ج15: الأحداث بشكل عام يبتلي الله بها الناس، وتترك آثاراً إيجابية عند المؤمنين، وآثاراً سلبية عند المنافقين والكافرين.
فحادثة الأحزاب -أو الخندق مثلاً- أظهرت أصالة الإيمان عند المؤمنين وزادته صقلاً، قال تعالى: (( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ ))[الأحزاب:10] * (( هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ))[الأحزاب:11]، وقال تعالى: (( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ))[الأحزاب:22].
وأما المنافقون: ففضحتهم هذه الحادثة، وأخرجت ما في نفوسهم.. قال تعالى: (( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ))[الأحزاب:12].
وأما الكافرون: فأرسل الله عليهم ريحاً وجنوداً.. قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ))[الأحزاب:9]، ثم ردهم مدحورين خائبين (( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ))[الأحزاب:25].
وأما حلفاؤهم من بني قريظة: فكان مصيرهم القتل والأسر وأخذ ما معهم: (( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً ))[الأحزاب:26] * (( وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا ))[الأحزاب:27].
وأحداث آخر الزمان كثيرة وفتنه متلاحقة، وهي تؤدي إلى التمايز، ولعلنا في مرحلة فتنة الدهيماء الوارد ذكرها في الحديث الذي ذكره أبو داود وغيره -وهو صحيح كما قال الألباني- وذلك إذا اعتبرنا أن فتنة السراء هي حرب الخليج، وفتنة الدهيماء هي فتنة عظيمة مظلمة كما يدل اسمها، وكما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم عنها في الحديث أنها متطاولة، كلما قيل: انقضت، تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً؛ حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، وهي تستمر إلى أن يظهر في آخرها الدجال -كما وردت في الحديث نفسه-.
ولعل هذه الفتنة مركبة من عدة فتن في مجالات متعددة، ولعلها هي التي يدخل حرها بيت كل مسلم -كما في حديث آخر- ولا تدع أحداً إلا لطمته وربما كانت أحداث (11 سبتمبر) من ضمن هذه الفتنة؛ فقد أظهر الصليبيون ما في أنفسهم، وأنهم سيشنونها حرباً صليبية، وأن قائمة البلدان التي سيضربونها تصل إلى ستين بلداً، وما أفغانستان إلا البداية، ومعنى ذلك أن حرها وضررها قد يتناول جميع المسلمين، ثم ضغطوا وتواعدوا بأن من لم يكن معهم فهو ضدهم؛ واستجاب لهم سائر الكافرين والمنافقين فتحالفوا معهم، وشاركوهم في القتال، وفي التموين وأنوع الدعم والدعاية، ونفذوا التعليمات المرفقة في مضايقة الدعاة، ومحاربة الإسلام تعليماً وتربية وأحكاماً والتزاماً... إلخ.
وتمايز الناس تبعاً لذلك في ديار المسلمين؛ فمنهم من زاد إيمانه وثقته بالله، وأخذ يلح على الله بالدعاء بالفرج ونصر الإسلام، ويأخذ بأسباب ذلك ما استطاع، ويوالي إخوانه المؤمنين، ويتأثر بما يحدث للمنكوبين منهم والمضطهدين والقتلى والمشردين، ويعمل على نجدتهم ومواساتهم بما يمكنه، ومنهم من انسلخ إلى الجانب الآخر؛ فصار يداَ وبوقاً للكافرين، ومعيناً لتنفذ مؤامراتهم، وشامتاً بمعسكر الإيمان، وعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده، والعاقبة للمتقين.
وفي الآيات التالية ما يكفي لتبصير المسلم (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ))[المائدة:51] * (( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ))[المائدة:52] * (( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ ))[المائدة:53] * (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))[المائدة:54] * (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ))[المائدة:55] * (( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ ))[المائدة:56]، وينبغي قراءة هذه الآيات وتكرار قراءتها وتدبرها والعمل بمقتضاها، في مثل هذه الظروف التي نعيشها بعد حادثة (11 سبتمبر).
وقد كانت فتاوى علماء المسلمين العاملين العدول لا تخرج عن ذلك، ونأمل -إن شاء الله- بعد استمرار هذا التمايز أن يخرج الناس إلى طريق واضح، ويتهيأ لهم السير في طريق عودة الخلافة الموعود بها.
.................................................
                                   

س16: تزايدت بعد أحداث أمريكا نبرات الدعوة إلى التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وضرورة الالتقاء على قواسم مشتركة في العقائد والأخلاق والمصالح، ما موقف المسلم تجاه مثل هذه الدعوات؟ وما تعليقكم على ما يقال: إننا سائرون لصدام الحضارات؟
ج16: هذه الدعوة هي الدعوة الماسونية، وهي دعوة قديمة لتوحيد الأديان، ولكنها تستغل الأحداث لتكرر الإعلان عن نفسها ما بين وقت وآخر.
الماسونية دعوة من صنع اليهود تسعى للتغرير بالآخرين وخداعهم بما ذكر، والهدف في النهاية هو هيمنة أهل الكتاب الكفرة، وقد يردد الببغاوات في بلاد المسلمين مثل هذه الدعوات، ولكن المسلم الحريص على دينه يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره بإعلان المفاصلة مع الكافرين منذ البداية، فقال سبحانه: (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ))[الكافرون:1] * (( لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ))[الكافرون:2].. إلى آخر السورة، بين سبحانه أنه لا يمكن أن يقبل الكافرون أن يكفوا عن المسلمين؛ فقال: (( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا ))[البقرة:217]، فعبر بتعبير (ولا يزالون) التي تدل على الاستمرار، ووقائع التاريخ منذ ألف وأربعمائة سنة شواهد على ذلك.
والتغافل في التعامل ونسيان العدالة إنما يقع -إن وقع- من جانب جهلة وعصاة المسلمين، أي من طرف واحد، أما الطرف الأخر فهو على إصراره على العداوة والحروب الصليبية، واستئصال الإسلام من الأندلس، وموجات الاستعمار الحديث وإسقاط دولة الخلافة، وتقديم فلسطين لليهود ودعمهم اللامحدود، وتجزئة بلاد المسلمين، وما حدث في البوسنة والهرسك وفي الشيشان وفي الفلبين وفي أفغانستان من روسيا بالأمس، واليوم من أمريكا.. إلخ.
كل هذه -وما هي إلا أمثلة قليلة- وغيرها دليل على ذلك، وصدق الله إذ يقول: (( هَا أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ ))[آل عمران:119]، ومن قبل ذلك قال سبحانه: (( قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ))[آل عمران:118]؛ لذلك فلا أمل لأي تعايش بين المسلمين والكفار ما دام كل طرف على دينه (( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ))[البقرة:120]، والإسلام حين يدعو الآخرين إلى كلمه سواء؛ ففي دعوته وضوح تام لا مواربة أن هذه الكلمة يجب أن تكون كلمة الإسلام؛ فهو لا يمسك العصا من الوسط، ولا يقبل بالتنازلات (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ))[آل عمران:64]. ومن الأمثلة الراهنة على زيف هذه الدعوة واقعاً -فضلاً عن زيفها من جهة الشرع-: أن السلطة الفلسطينية قبلت التعايش مع اليهود، وقبلت باللادينية والعلمانية، ووقعت اتفاقات عديدة مع اليهود ثم نفذتها من جانبها، وقدمت لهم خدمات كثيرة في مواجهة الشارع الفلسطيني، ومع هذا فهل وفى اليهود بتلك الاتفاقات، أو رضوا بما عليه السلطة الفلسطينية؟!
لقد أخذوا يقصفون مقرات هذه السلطة ويدمرون ممتلكاتها، ويقتلون أفرادها، ويفعلون الأفاعيل؛ فدل ذلك على أن دعوتهم للتعايش إنما هي خديعة، وأنهم لا يرقبون في من له أدنى صلة بالإسلام -ولو شكلياً- لا يرقبون فيه إلاً ولا ذمة.
وأما الحضارة فلا توجد حضارة حقيقية إلا في الإسلام، أما عند غيرهم فهي بهيمية (( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ ))[محمد:12]، وسوف تعم حضارة الإسلام الأرض كلها إن شاء الله، وتصل إلى كل بيت.
.................................................
                                   

س17: هناك من يعتقد أن الحرب المعلنة ضد الإرهاب إنما هي حرب ضد الإسلام، ورغبة لمزيد من الهيمنة والتدخل في الشئون الداخلية للبلاد الإسلامية!! ما مدى صحة هذا الطرح في نظركم؟
ج17: هذا الكلام صحيح! فما يجري الآن في أفغانستان وفي فلسطين؛ هو تدمير لكل شيء دون أدنى وازع، ثم ما سوف يجري على قائمة البلدان الإسلامية الستين بعد أفغانستان؛ دليل على ذلك، ونسأل الله أن يحبط ذلك.
وما كانت أحداث (11 سبتمبر) ألا ذريعة للتعجيل بتنفيذ المخطط ضد الإسلام، فقد بدأت الحرب بعد أقل من شهر من هذه الأحداث؛ مما يدل على أن التهيئة لهذه الحرب قد كانت سبقت ذلك بمدة طويلة؛ من حيث الإعداد والتدريبات والتعبئة، والتمهيد للتحالفات وإيجاد القواعد وتجهيز الاتفاقات.
وقد أعلن الذين أشعلوا هذه الحرب أنها ستكون طويلة، وسوف تستمر عشر سنوات، فهل يا ترى كان هذا كله وليد ما حدث في (11 سبتمبر)؟! بحيث تم الإعداد البشري والمادي واللوجستي والدعائي، ووضعت الخطط لعشر سنوات؟! ثم بدأ التنفيذ بعد أقل من شهر من أحداث سبتمبر؟! إن ذلك لا يعقل.
وهنالك سابقة قريبة شبيهة بهذه، وهي حرب الخليج الثانية، فقد كان الإعداد لها منذ أوائل السبعينيات من القرن الميلادي السابق -كما تدل على ذلك كثير من الوثائق- ثم تم جرُّ العراق وتشجيعه لدخول الكويت؛ فكان ذلك ذريعة لتنفيذ المخطط الواسع بالوجود الكبير في مناطق النفط في جزيرة العرب، والذي كان يعد له منذ ما يقرب من عشرين سنة قبل حادثة دخول العراق الكويت، ومما يدل على أن هذه الحادثة مجرد ذريعة، وأن المخطط أكبر من مجرد إخراج العراق من الكويت: هو أن القواعد والقوات الأجنبية موجودة إلى اليوم في جزيرة العرب، وستظل باقية إلى أجل غير مسمى.
والهجمة التي بدأت اليوم في أفغانستان ليست محصورة عليها -كما ذكرنا- بل كل الحركات والمنظمات الإسلامية -بل والجمعيات الخيرية، بل وبعض التجار الذين يشك أنهم يقدمون شيئاً من الإحسان- أصبحوا ضمن القائمة التي لا بد أن ينالها العقاب والتحجيم والمطاردة، بالرغم من أن هؤلاء لا ينسب لهم أي دور في أحداث (11 سبتمبر)، بل إن التعليم الديني أصبح خطراً، ولا بد من تجفيف منابعه، بل وصل التصريح إلى الصراحة الكاملة -التي لا مواربة فيها- أن الإسلام نفسه هو المستهدف، فقد صرح -في أوائل شهر رمضان- أحد رجال الدين المقربين جداً من رئيس الدولة الكبرى التي تتزعم الهجمة -واسمه فرانكلين جرهام- أنه قرأ القرآن ووجد أنه كتاب يحث على القتل، وأن الإسلام دين شرير.
وقريب من هذا تصريح رئيس وزراء إيطاليا قبل نحو شهر بغمز الإسلام والسخرية منه.
.................................................
                                   

س18: كلمة أخيرة إلى من توجهونها؟
ج18: الكلمة الأخيرة التي أوجهها إلى نفسي وإخواني المسلمين، وفي مقدمتهم العلماء والدعاة وطلبة العلم والملتزمون بالتدين: هي أن يتقوا الله، فهذه وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ ))[النساء:131]، فأوصي إخواني جميعاً -اتباعاً لوصية الله- بأن يتقوا الله في صلتهم بالله جل وعلا، وفي صلتهم بسائر إخوانهم مهما نأت بهم البلدان أو تعددت بهم الجماعات القائمة في الجملة على الكتاب والسنة، فربنا جل وعلا يقول: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ))[آل عمران:102]، ويقول: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ))[الأنفال:1].
والعدو مهما عظم كيده ومكره، ومهما كبرت قوته وكثرت إمكاناته؛ لا يمكنه أن يلحق بهم الضرر إلا إذا كانت علاقتهم بالله أو علاقتهم بإخوانهم مهتزة، وصدق الله إذ يقول: (( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ))[آل عمران:120].. (( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ))[يوسف:21].
 

.................................................                                   

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©