الكَثِير مِن تفسير ابن كَثِير (12)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   وتكْمِيل التقوَى يكون بالزواج ، لأن فِتْنةَ النساء أعظمُ فتنة ، ولاسيما في هذا الزمان ، فقد اجتهد الأعداء في ترْويج هذِه الفِتْنة إلى أبعد الحدود ، مع وجود تعْقيداتٍ وعراقيل وضَعها الناس أمام الزواج ،  فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» متفق عليه .
 
   وعن أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا اسْتَفَادَ الْمَرْءُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ" رواه ابن ماجه .
   وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ رزَقهُ اللهُ امْرأةً صالحةً؛ فقد أعانَهُ على شَطْرِ دينِه، فلْيَتقِّ الله في الشطرِ الباقي". رواه الطبراني في "الأوسط"، والحاكم، ومن طريقه البيهقي، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافَقه الذهبي .قال محقِّق الترغيب والترهيب: حسنٌ لغيره.

    {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (3) }:

    أَورَد أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ بسَنَده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ. وجاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {يُؤْمِنُونَ} يُصَدِّقُونَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: الْإِيمَانُ الْعَمَلُ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: {يُؤْمِنُونَ} يَخْشَوْنَ.
    قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونُوا مَوْصُوفِينَ بِالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ قَوْلًا وَاعْتِقَادًا وَعَمَلًا ، فالْإِيمَانُ كَلِمَةٌ جامعةٌ لِلْإِقْرَارِ (باللسانِ والقلْب) بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ... وَلِتَصْدِيقِ ذلك بِالْعَمَلِ ، وتدخل الخشْية في العمل .

   
قُلْتُ:الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ : التَّصْدِيقُ الْمَحْض ، كَمَا في قَوله تَعَالَى: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} التَّوْبَة: 61، وَكَمَا حكَى سبحانه عن قَولِ إِخْوَةِ يُوسُفَ لِأَبِيهِمْ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} يُوسُفَ: 17 ، وَكَذَلِكَ إِذَا اسْتُعْمِلَ الإيمانُ مَقْرُونًا مَعَ الْأَعْمَالِ؛ كَقَوْلِهِ تعالى: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} الِانْشِقَاقِ: 25، وَالتِّينِ: 6 .
    فَأَمَّا إِذَا اسْتُعْمِلَ مُطْلَقًا فَالْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ الْمَطْلُوبُ لَا يَكُونُ إِلَّا اعْتِقَادًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا.. هَذَا ما ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ، بَلْ حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيد وَغَيْرُ وَاحِدٍ إِجْمَاعًا.. أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ وَأَحَادِيثُ أَوْرَدْنَا الْكَلَامَ فِيهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ  .  وَالذي فَسَّرَهُ بِالْخَشْيَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} الْمُلْكِ: 12 ، وَقَوْلِهِ: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} ق: 33 .
    وَالْخَشْيَةُ خُلَاصَةُ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فَاطِرٍ: 28 .
    وَأَمَّا الْغَيْبُ ، فعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}: يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَلِقَائِهِ، وَيُؤْمِنُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ، فَهَذَا غَيْبٌ كُلُّهُ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ . وَقَالَ السُّدِّيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا غَابَ عَنِ الْعِبَادِ مِنْ أَمْرِ الْجَنَّةِ، وَأَمْرِ النَّارِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ .. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عاصم، عن زِرّ، : الْغَيْب القرآن .   وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فَقَدْ آمَنَ بِالْغَيْبِ.  وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : بِالْقَدَرِ.  وكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ.
    وَروَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بسنَده عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ جُلُوسًا، فَذَكَرْنَا أصحَاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا سَبَقُوا بِهِ ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيِّنًا لِمَنْ رَآهُ ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا آمَنَ أَحَدٌ قَطُّ إِيمَانًا أَفْضَلَ مِنْ إِيمَانٍ بِغَيْبٍ ، ثُمَّ قَرَأَ: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْمُفْلِحُونَ} الْبَقَرَةِ: 1-5 . وَمن طرُقٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدُويه، والحاكم ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، ووافَقه الذهبي.
    وَفِي مَعْنَاهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ ، عَنِ ابْنِ مُحَيريز، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جُمُعَةَ: حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ، أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا جَيِّدًا: تَغَدَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا؟ أَسْلَمْنَا مَعَكَ وَجَاهَدْنَا مَعَكَ. قَالَ: "نَعَمْ"، قَوْمٌ مِنْ بَعْدِكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْني"  . وقد نقل (سلامة) عن الحافظ في الفتح أن إسناده حسن .
   وروَى مثْله ابْنُ مَرْدُويه فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ جُبَيْر، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو جُمُعَةَ الْأَنْصَارِيُّ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، لِيُصَلِّيَ فِيهِ، وَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ خَرَجْنَا نُشَيِّعُهُ، فَقَالَ: إِنَّ لَكُمْ جَائِزَةً وَحَقًّا؛ أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: هَاتِ رَحِمَكَ اللَّهُ ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَاشِرُ عَشَرَةٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَّا؟ آمَنَّا بك واتبعناك، قال: "مَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَأْتِيكُمْ بِالْوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِكُمْ يَأْتِيهِمْ كِتَابٌ بَيْنَ لَوْحَيْنِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا" مَرَّتَيْنِ  .

   
ثم أورَد ابن كثير روايات أخرى، وقال: وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعَمَلِ بالوِجَادة الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ .

     بعض الأحاديث الوارِدة في فضْل المتأخِّرين ، ولعلَّ مِنهم الذين يَسْعَون لإِعادة الخلافة ثم يُكَافَأُونَ بِصُحْبَة عيسى عليه السلام  :

   1- قوله عليه الصلاة والسلام : ( ودِدْتُ أنِّي لَقِيتُ إخْواني  قالوا : يا رسول اللهِ ألَسْنا إخْوانَكَ ؟ قال : بلى، أنتُم أصْحابي ، وإخْواني  الذين آمَنُوا بِي ولم يَرَوني ) قال المُناوِي في فَيض القدير : رواه أحمد وإسناده عنده حسن وكذا أبو يعلى عن أنس .
    وقال المُناوي أيضا : وقد دلَّ إثبات الأخُوَّة لهؤلاء على علوِّ مرتبتهم وأنهم حازوا فضيلة الأُخْرَويَّة كما حاز المصطفى صلى الله عليه و سلم فضيلة الأَوَّلِيَّة ، وهم الغُرَباء الذين أشار إليهم عليه الصلاة والسلام بِخَبَر : (بدأَ الإسلامُ غريبًا وسيعودُ غريبًا فطُوبَى للغُرَباء) رواه مسلم وغيره ، وهم الخُلَفاء الذين أشار إليهم بقوله : رحِم اللهُ خُلفائي ، وهم القابِضُون على دينهم عند الفتن كالقابض على الجمر ، وهم النُّزاَّع من القبائل ، وهم المؤمنون بالغيب . ا.هـ . بتصرف .
   وقال مُحقِّقو مسند أحمد عن حديث (ودِدْتُ أنِّي لَقِيتُ إخْواني) : حسنٌ لغيره ، وله شاهد من حديث أبي هريرة ، وهو صحيح.اهـ . بتصَرُّف .

  
والمقصود بالشاهد الحديث الذي في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة ، فقال : (السلامُ عليكُم دَارَ قومٍ مُؤمنين ، وإنَّا بكُم إن شاءَ اللهُ لاحقُون ، ودِدْتُ أنِّي قد رأيتُ إخوانَنا) ، قالوا : يا رسول الله ألَسْنا إخوانَك ؟قال : (بلْ أنتُم أَصْحابي ، وإخْوانُنا الذين لم يأتُوا بعْد ،وأنا فرَطُهم على الحوض ...) .
  
وإخْوانُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هؤلاءِ الذين هُم الغرباءُ ، والقابضُون على الجمْر.. سيكون مِنهم إن شاء الله الذين يُعيدون الخلافة الثانيةَ على مِنهاج النبوة ، والخِلافتانِ لا ثالثَ لهُما وهُما مَذكورتانِ في حديث المَراحل التي يمرُّ فيها الحُكْم في الأُمَّة الذي رواه أحمد وغيره ، لأن الخلافة الأُولى أقامَها على منهاج النبوة خُلفاءُ راشدون صحابة ، وكذلك الخلافة الثانية سيُقيمُها على منهاج النبوة خلفاء راشدون صحابة وفي مقدِّمتهم المهدي عليه السلام ، لأنهم سيُدركون عيسى عليه السلام ويكونون صحابةً له ، ويُحدّثهم بدرجاتهم في الجنة كما في الحديث الذي رواه مسلم..
    وهم داخلون في عموم قوله تعالى :
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ، وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الجمعة ، وكذلك داخلون كالصحابة في عموم هذه الآية فيما ذكره ابن كثير عند تفسيرها : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) النور.
    2-
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ مَثَلَ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ " . رواه أحمد وغيره .
قال محقِّقو مسند أحمد :حديث قويٌّ بِطُرُقه وشواهده، وهذا إسناد حسن...
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" وهو حديث حسن له طُرُقٌ قد يَرْتَقِي بها الى الصحة.
قال السندي: قوله: "مَثَل المطر"، أي: المطر كلُّه خير، أوله يُنْبِت وآخِره يُرَبِّي، كذلك هذه الأمة المرحومة المباركة كلُّها خير، قيل: الأوَّلون أقاموا الدِّين والآخِرون مهَّدوا قواعده. وقيل: بل الآخِرون أهل زمان عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فإنهم يعودون في الصلاح والخير إلى حال الأوَّلين، والله تعالى أعلم. اهـ . بتصرُّف .

   3- وعن أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِىُّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىَّ فَقُلْتُ يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَقُولُ فِى هَذِهِ الآيَةِ (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ؟ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا .. سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِى رَأْىٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ - يَعْنِى بِنَفْسِكَ -
وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ) ..
     وَزَادَنِى غَيْرُهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: (أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ) . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، و قال العراقي في تخريج أحاديث (الإحياء) : رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه وابن ماجه.اهـ . 
    4 - وفي بحر الفوائد لأبي بكر الكلاباذي البخاري الحنَفي بتحقيق محمد حسن إسماعيل و أحمد فريد المزيدي  - والكلاباذي يسوق الأحاديث بأسانيده - : وذكَر حديث أنس الذي سبَق : (مَثَل أُمَّتي مثَل المطر لا يُدْرَى أوَّلُه خيرٌ أم آخره ) ، ثم قال: يجوز أن يكون قوله : (لا يُدْرَى أوَّلُه خيرٌ أم آخِره) حُكْمًا ، فيستوي آخِر هذه الأمة بأوَّلها في الخيريّة ، وذلك أن القرْن الذي بُعِث فيهم رسول الله إنما كانوا أخياراً لأنهم آمَنُوا بالنبي حين كفَر به الناس ، وصدَّقوه حين كذَّبه الناس ، ونصروه حين خَذَلَه الناس ، وهاجروا وآوَوْا ونصرُوا ، وكل هذه الأفعال وُجِدَتْ في آخر هذه الأمة حين يكثر الهرْج وحين لا يقال في الأرض : الله الله . كما قال :(بَدأَ الإسلامُ غريبًا وسيَعُود غريبًا كما بدَأَ فطُوبَى لِلغُرباء) - أصْل الحديث في صحيح مسلم كما سبَق - ، قيل : وما الغُرَباء ؟ قال : (النُّزاَّع من القبائل) .
    فإذا صار الأمر إلى هذا كان المُؤمِن فيهم كالمُؤمِن في وقت النبي صلى الله عليه وسلم فإن النازع من القبيلة مهاجرٌ مفارقٌ أَهله ، وماله ، ووطنه ، مؤمن بالله مصدِّقٌ به وبرسوله ، والله عز وجل مدَح المؤمنين بإيمانهم بالغيب فقال :  ( يُؤمِنون بالغيب ) البقرة ، وكان إيمان أصحاب النبي بالنبي صلى الله عليه وسلم شُهُودا وعَيانا ينزل عليهم الوحي ، ويرون الآيات ، ويشاهدون المُعجزات ، وآخِر هذه الأمة يؤمنون بالنبي غيباً فإنهم لا يشاهدون النبي عَينًا ، ولذلك صاروا أعْجَبَ الناس إيمانا .
     ثم ذكر الكلاباذي بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ومَن أعْجَبُ الخلْق إيمانا ؟) قالوا : الملائكةُ يا رسول الله ، قال: (وكيف لا تُؤْمِن الملائكة وهم يُعايِنُون الأمْر؟) . قالوا : فالنبيُّون يا رسول الله ، قال : (وكَيف لا يُؤمِنون والرُّوح ينْزل عليهم بالأمْر من السماء؟) ، قالوا : فأصحابُك يا رسول الله ، قال : (وكيف لا يُؤمِنون أصحابي وهم يَرَون ما يَرَون ؟ ولكن أَعْجب الناس إيمانا قومٌ يَجِيئون مِن بعْدي يُؤمِنون بي ولم يَرَوني ، ويُصدِّقوني ولم يَرَوني ، فأولئك إخواني). 
ثم ذَكَر الحديث الذي سبَق : ألَسْنا إخوانَك ؟ قال : (
لا ، أنتم أصحابي ، وإخواني قومٌ يجيئون من بعدي) .. ثم ذكَر حديث أبي ثعْلبةَ الخُشَنِي الذي سبَق ، وقال : فأخبَر أن في آخِر هذه الأُمَّة مَن يَفُوق أوَّلَها في الثواب والأَجْر ، فإذا جاز أن يكون آخِرُ هذه الأُمة أكْثرَ أجرًا من بعض أَوَائلها ، جاز أن يكون أواخِرها يُوازِى أوَائلها في الأجْر والخير .
      ثم ساق الكلاباذي بسنده عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيرُ أُمَّتي أوَّلُها وآخِرها ، وفي وسَطِها الكدَر) .
     ثم ساق حديث أبي جمعة الذي سبَق ، وقال :فأخبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ في آخِر أُمَّته مَن هُو خيرٌ مِن بعض مَن صَحِبَه. اهـ . بتصرُّف .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©