عُطْلَة السبت...!

( إنما جُعِل السبْت على الذين اختلفوا فيه )

مقال لصحيفة صوت الإيمان بتاريخ 3 من ربيع الآخر 1429هـ الموافق 7 إبريل 2008م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     كانت منهجية الرسول صلى الله عليه وسلم هي تعمُّد مخالفة الكافرين ومنهم أهل الكتاب  ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، إعمالًا لعقيدة البراء من الكافرين التي يكرّر المسلم الالتزام بها في كل ركعة من صلاته عند قراءة الفاتحة (غير المغضوب عليهم و لا الضالين) . ومن أجل ذلك شرَع عليه الصلاة والسلام مخالفتهم في صبْغ الشيب ، وفي لبْس الإزار ، وفي تنظيف الأفْنية ، وفي لبْس النعال في الصلاة ، وفي صوم تاسوعاء ، وفي تعجيل الفطر ، وفي أكْلة السحر ، وفي مؤاكلة ومجالسة الحائض ، وفي عدم تعظيم السبت ، وفي عدم تعظيم الأحد  ... إلخ القائمة في ذلك  كما هو معلوم .

     والعجيب في هذا الزمان أن بعض المسلمين يمضون على عكْس هذه المنهجية فيقلّدون الكافرين في كل صغيرة وكبيرة ، ولاسيّما أهل الكتاب إلى حد التشبُّه بهم في مِثْل كذْبة أبريل ، كما قال عليه الصلاة والسلام مبيّنًا ضعْف عقول المقلّدين وتهافتهم  : (... حتّى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه) متفق عليه . وقد حذّر عليه الصلاة والسلام من هذا التقليد فقال : ( من تشَبَّه بقوم فهو منهم) رواه أحمد وغيره .

     ومن القائمة الطويلة للتقليد في هذه الأيام  : موضة اعتماد يومي السبت والأحد في العطلة الأسبوعية ، كما في باكستان وتركيا وتونس . و من ذلك موضة استبدال الخميس بالسبت كما في بعض الدول التي لا يتحمّل الناس فيها استبدال الخميس والجمعة معًا ، ومنها بعض دول الخليج وموريتانيا .

     ونجد في سبيل تحقيق ذلك ترويجًا للمبرّرات من مِثْل أن العالم أصبح قرية واحدة ، ولايصح أن ننعزل  ... وعندما نُعطِّل على خلاف العالم فهذه عزْلة عن  دُوَله ومنظّماته وشركاته ومؤسساته وبُنُوكِه وأسواقه....! وهذ التبرير جاء في هذا الوقت الذي تُبذل فيه الجهود للتقارب مع اليهود باسم السلام والتعايُش والتطبيع إلخ .. والتقارب مع الصليبيين باسم العَولمة ومنظمة الجَات ومكافحة الإرهاب إلخ ...وأصحاب التسويق لهذه المبررات يستغفلون الناس الذين عاشوا مع آبائهم و أجدادهم عشرات السنين خلال فترة الاستعلاء الصليبي اليهودي الماضية و إلى الآن ولهم تواصلهم مع العالم بدُوَله و منظماته وأسواقه ... دون أن يشعروا  بأيّ داعٍ للتراجع مثلًا عن عطلتهم الأسبوعية المرتبطة بدينهم !   والسياسة الصليبية اليهودية لم تكن قد طمعت في المسلمين إلى هذا الحد  .. فلما جاء هذا العصر الذي سهل فيه التواصل إلى حد كبير ، وصار بالإمكان إجراء المعاملات والاتصالات بين البلدان  بيُسْرٍ كبير وفي وقت قصير ، وفي أيّ حين بما في ذلك أثناء العطلات  .. وبالإمكان ترتيب بعض المناوبات فيها عند الحاجة لإجراء ذلك بدون مشقة.. إذَا هنالك مَن يطْلُع على الناس بهذه البدعة ويدْعُو فيما يدعو إلى استبدال العطلة كليًّا أو جزئيًّا .. .لقد أرادوا تعميم تعديل العطلة مع أن المجالات التي يسوقون لها المبررات مجالات خاصة و محدودة ، وهنالك مجالات أوسع يُكتفَى فيها ـ كما هو معلوم ـ بالمناوبات كمجالات الدوام في الجيش والأمن والمستشفيات و كثير من  الخدمات... فلماذا  لا يكتفى هنا أيضا بالمناوبات عند الحاجة ، دون الانسياق وراء تعميم تعديل العطلة الذي يعكّر في أقل الأحوال على مبدأ البراء و على السيادة والثوابت ؟!  ... ثم إن أصحاب المبررات  لعلّهم لم ينتبهوا إلى أن بعض بلاد المسلمين كبلاد المغرب العربي تبعد عن بعض البلاد مثل الصين واليابان وتايوان وكوريا مسافات توقيتية كبيرة بحيث يختلف  الدوام هنا عن  الدوام هناك .. و لا يمكن التواصل إلّا في أوقات المناوبة وليس في أوقات الدوام !!  لأن الوقت هنا قد يكون ليلًا وهناك نهارًا والعكس .ومِثل ذلك يقال بالنسبة لدول الخليج مع بلدان أمريكا الشمالية والجنوبية . وكذلك يقال بالنسبة لباكستان و بنغلادش ولإندونيسيا ولماليزيا مع دول أوروبا و أمريكا ... إلخ . مما يُرَجِّح أن المبرر الحقيقي لتعديل العطلة  ليس مجرّد التعامل و  التواصل ، وإنما التطبيع والتشبُّه والتماثل !!.. ولماذا لا تضع دول المسلمين لنفسها حسابًا وهي تبلغ سبعًا وخمسين دولة ؟ فتحرص على التوافق فيما بينها في العطلة ، بل وتحاول فرْض ذلك في العالم ، لاسيما مع ثقلها لاستراتيجي المفتَرَض.. وكثير من أسواق العالم و مصادر الثروة و المال ، وكثير من رجال و مؤسسات الأعمال فيها؟ ...ألم يفرض اليهـود عطلتهم وهم شرذمة يسيرة على العالم؟ فهل العالم الإسلامي أقـلّ من ذلك ؟!

     لقد أضل الله أهل الكتاب عن يوم الجمعة بسبب اختلافهم كما في الحديث الذي عند مسلم ، وكما في الحديث المتفق عليه ، وهدَى الله هذه الأمة إلى تعظيمه .. فلماذا التشبه ولو جزئياً بالذين ضلُّوا ؟ وعقيدتنا تأمرنا بمخالفتهم ، وهي أغلى علينا من كل المبررات المذكورة.. بل من الدنيا كلها ، لاسيما وهنالك معالجات في التواصل والتعامل عِشْنا عليها في ماضينا إلى الآن ويمكننا تطويرها ...

     لقد بيّنَ الله سبحانه أن السبت إنما كان على الذين اختلفوا فيه ففضّلوه ولم يأخذوا بالجمعة فكان ذلك عقابًا عليهم .. فهل يصح التشبه بأهل الكتاب ـ من قِبَل مَن فضّلهم الله بالهدى ـ بمثل تلك المبررات في أمْرٍ عوقب أهل الكتاب فيه؟.. قال تعالى : ( إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ، وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) النحل. قال ابن حجر في(الفتح) : قال النووي يمكن أن يكونوا أُمروا به ـ أي الجمعة ـ صريحا فاختلفوا هل يلزم تعيُّنه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا انتهى . ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى: ( إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) قال: أرادوا الجمعة فأخطأوا وأخذوا السبت مكانه.. وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي التصريح بأنهم فُرِِض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا ولفظه : ( إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا فجُعِل عليهم) ، وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى : (ادخلوا الباب سُجّدًا وقولوا حِطّة ) وغير ذلك .. وكيف لا وهم القائلون : (سمعنا وعصينا )  . انتهى كلام ابن حجر . وعند مسلم عن أبي هريرة و حذيفة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أضلّ الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد) .  وفي الحديث المتفق عليه : عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة أُوتوا الكتاب من قبلنا وأُوتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله، فغدًا لليهود وبعد غدٍ للنصارى ).

     وهاهم إخواننا في بلاد الحرمين لم ينساقوا و استمروا على الخميس و الجمعة ، و هما مناسبتان للعبادة و من ذلك استحباب الصوم و السفر يوم الخميس ، و لم يحصل لأعمالهم و اقتصادهم أي خلَل بل هم في أوْج النجاح في ذلك ..

     ثم إن القضية عندنا دينٌ و ولاءٌ و براء ، و هي أعلى و أغلى من كل شيء ، والحرّة تجوع و لا تأكل بثدييها ، إضافةً إلى أن الرسول صلى الله عليه و سلّم قد حكَم في الموضوع فلا كلام لأحد بعده .

     وبعد هذا الوضوح نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الثبات ، ومنه سبحانه نستمدّ التوفيق والسداد ، و لا حول و لا قوّة إلا بالله العلي العظيم  .  

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©