أكذوبة : كلنا علماء

 
                                       بتاريخ 1427/5/23 الموافق 2006/6/20  

 

علماء الشرع هم أولئك الذين تخصصوا في دراسة الشرع حتى حصلوا على إجازة وشهادة من مشايخهم العلماء بأنهم قد صاروا علماء، تماماً كالأطباء الذين تخصصوا في دراسة الطب على أيدي أطباء حتى حصلوا على الشهادة من أساتذة الطب أنهم قد صاروا أطباء، ومثل ذلك يقال في المهندسين، وفي الطيارين وفي الكهربائيين..إلخ. وكما أنه غير مقبول من غير المتخصصين أن يقولوا: كلنا أطباء، أو كلنا مهندسون، أو كلنا طيارون، فكذلك ليس مقبولاً من غير المتخصصين في العلوم الشرعية أن يقولوا: كلنا علماء، وإن الشخص مهما قرأ واطلع وسمع إذا لم يدرس الطب دراسة متخصصة فلا يمكن أن يكون طبيباً يسلمه الناس أجسادهم ليصف لهم العلاج، أو يقوم فيها بالعمليات الجراحية، ومهما قرأ الشخص عن الطيران وسمع ورأى فلا يمكن أن يسمى طياراً بلا دراسة وأن يسمح له الناس بقيادة الطائرات، وكذلك الحال فيمن قرأ واطلع وسمع في مواضيع الشريعة فلا يمكن أن يسمى عالماً ويكون مرجعاً للناس في الفتوى دون دراسة.

وإنما في مثل هذه الأحوال يسمى الشخص مثقفاً سواء في مجال الطب أو في مجال الطيران أو في مجال المعرفة الشرعية، وقد يكون مثقفاً في عدة مجالات، ولكن لا يطلق عليه بحال أنه عالم في مجال إلا إذا تخصص في دراسة ذلك المجال على يد علمائه، والناس يتحاشون في هذا الزمان دعوى العلم في العلوم الدنيوية إذا لم يتخصصوا، أما في مجال العلم الشرعي فكثيرون يدَّعون ولا يبالون ويزعمون أن العلم الشرعي سهل، وتظهر هذه الدعاوى أكثر في جانب من العلم الشرعي، ألا وهو السياسة الشرعية، فتجد الشخص يستفتي في المواريث وفي دقائق العبادات والمعاملات، ولا يجد غضاضة في ذلك، وأما في السياسة فيتجاهل العلماء ويتجاوزهم، ولو كانوا حاضرين ويدعي الفهم العميق، بل ويتولى إفتاء العلماء أنفسهم في ذلك والتطاول عليهم، وكثيراً ما تجد من الزعماء السياسيين ولو كانوا متدينين من يخوض في السياسة الشرعية بلا دراسة متخصصة، وقد يكون هذا السياسي داعية، أو قائداً في جماعة إسلامية، ولسان حاله يقول: كلنا علماء، وقد سمعت من يتجرأ فيقولها بلسان مقاله. وسمعت من يدعي التفرد بذلك من دون علماء الشرع ويتهمهم بالغفلة، في حين إنه لو تلا آيات لا يحسن أحكام التلاوة، ولو سرد أحاديث لا يدري ما تعريف الحديث الصحيح، ولا يفرق في النحو بين النكرة والمعرفة، وليس له حظ معتبر في دراسة الفقه، ولا إدراك في أصول الفقه، ولكنها شهوة التعالُم لاسيما في مجال السياسة الشرعية تحقيقاً للزعامة، خاصة وأن الله ابتلى الناس بأن أول ما ينقض من عرى الإسلام الحكم فصار يتعاطى الخوض في سياسته من هب ودب، واتخذ الناس رؤوساً جهالاً كما ورد في النصوص، وسكت العلماء الحقيقيون تقيةً وتأوَّلاً إلا من رحم الله وتم تهميشهم، ونبغ علماء السلطان سواء أكان سلطان دولة أم سلطان حزب أم سلطان جماعة فسوّغوا وسوقوا وروّجوا للزعامات ما تريد، فغرروا بهم، وغرروا بالعامة، وبرّروا لهم حيث لا يجوز التبرير فإلى الله المشتكى، ولكن لا تزال طائفة على الحق ظاهرين يحفظ الله بهم الدين إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.


 


 

 

 .................................................                                           

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©