كانت جزيرة العرب مروجاً ، وكان
الرَّبْع الخالي مأهولاً :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ
أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا )
رواه أحمد وأصله في مسلم .
أرض العرب هي شِبْه جزيرة العرب ، لأن
العرب في الأصل نشأوا بها ، ومنها هاجروا إلى
بقاع الأرض , وقد كانت في الماضي مأهولة كلها
، وكانت مروجاً وأنهاراً بدلالة الحديث .
وكذلك بدلالة القرآن ، قال تعالى
بخصوص الأرض التي بين دولة سبأ وبين الشام وهي
اليوم من أطراف صحراء الرَّبع الخالي : (
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى
الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً
وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ، سِيرُوا
فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ،
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ
أَسْفَارِنَا ، وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ
فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ
كُلَّ مُمَزَّقٍ ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) سبأ .
كان السبئيون ينتقلون إلى الأرض
المباركة أرض الشام عَبْرَ أطراف المنطقة التي
هي اليوم الرَّبْع الخالي ، وكان تلك الأطراف
قُرًى ظاهرة متقاربة ، إذا نزل المسافر في
قرية ظهرتْ له الأخرى ، فلا يحتاج المسافر إلى
الزاد ولا إلى الحماية ، بل كان يسافر الليالي
والأيام في وجود الطعام والأمان . ولكن
السبئيين بَطِروا النعمة ، وملُّوا العافية ،
فسـألوا الله أن يباعد بين أسفارهم ، وهذا من
الشقاء وظلم النفس أن يدعو المرء على نفسه ،
فكانت النتيجة أنْ أزال الله النعمة وجعلهم
أحاديث وعِبَراً .
التوافق بين قَدَر الله في إجابة الدعاء
وقَدَر الله في العقاب :
ووافق ذلك موعد سنة الله في الدورة
المناخية في تصحُّر هذه المنطقة . فالتقى
قَدَر إجابة دعاء البَطَر مع قَدَر دورة
المناخ ، تماماً كما التقى قَدَر إجابة دعاء
بعض صناديد قريش ( كان في الحقيقة دعاءً على
أنفسهم ) مع قَدَر الله في نصْر نبيه وعباده
المؤمنين في بدْر ، قال تعالى :
( إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ
الْفَتْحُ ، وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ
لَّكُمْ ، وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ ، وَلَن
تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ
كَثُرَتْ ، وَأَنَّ اللّهَ مَعَ
الْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال .
وكما حدث التوافُق بين قَدَر دعاء
الأعرابـي على نفسه حين زاره النبي صلى الله
عليه وسلم ، وبين قَدَر الأجل عقاباً له ..
روى البخاري
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ
يَعُودُهُ ، قَالَ : وَكَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ : ( لَا
بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) .
فَقَالَ لَهُ : ( لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ ) . قَالَ : قُلْتَ : طَهُورٌ ،
كَلَّا ، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ أَوْ
تَثُورُ ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ
الْقُبُورَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَنَعَمْ
إِذًا ) .
قال الحافظ في ( الفتح ) : وأَخْرَجَهُ
الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْره ... وَفِي آخِره
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( أَمَا إِذَا أَبَيْتَ فَهِيَ
كَمَا تَقُول ، قَضَاء اللَّه كَائِن ، فَمَا
أَمْسَى مِنْ الْغَد إِلَّا مَيِّتًا ) .
النهي عن الدعاء بالضَّرَر:
وروى مسلم وغيره عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَطْنِ
بُوَاطٍ وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ
عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ ، وَكَانَ النَّاضِحُ ـ
الجمَل ـ يَعْقُبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ
وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ ، فَدَارَتْ
عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى
نَاضِحٍ لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ ، ثُمَّ
بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ
التَّلَدُّنِ فَقَالَ لَهُ : شَأْ ـ كلمة زجْر
ـ لَعَنَكَ اللَّهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ
هَذَا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ؟ ) قَالَ : أَنَا
يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : ( انْزِلْ
عَنْهُ ، فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ ..
لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا
تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا
عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ
اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ
فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ ) .
تحقُّقُ المعجزة النبوية بعودة بلاد العرب
مروجا وأنهاراً :
والصحراء الواسعة في شبه جزيرة العرب
تسمَّى الرَّبع الخالي بفتح الراء المشدَّدة ,
كما ذكرنا ، والرَّبْع هو المكان المأهول ،
مما يدل على أن التسمية تاريخية وأن هذا
المكان في الماضي كان مأهولاً ثم صار خالياً .
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم بعودته
مروجاً وأنهاراً معجزة ، وقد سمعت الشيخ عبد
المجيد الزنداني حفظه الله عِدَّة مرَّات ،
آخرها قبل فترة قريبة ، أنه في حواره مع
الجيولوجي الألماني الشهير ألفِرِد كرونر في
سنة 1401هـ الموافق 1981م في جَدَّة ذكر له
هذا الحديث ، فأقرّ بأن ذلك حقيقة علمية ، وأن
جزيرة العرب سوف تعود مروجاً وانهاراً خلال
بضع عشرات من السنين ، قال : ولم أُفارِقْه
حتى شهد أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول
الله .
وهانحن أولاء وقد مرَّ على هذا الحوار
ثلاثون سنة نرى أن الأمطار تزايدت على بلدنا
وعلى بقية شِبْه جزيرة العرب خلال هاتين
السنتين مِمَّا نظن أنه تحقُّقٌ للمعجزة
النبوية .
التفاؤل بتحسُّن الأوضاع رغم المؤمرات وبلحوق
الضرر بالقات وبمن يستحقون العقوبات :
إننا نتفاءل مع كثرة الأمطار بتحسُّن
الأحوال إن شاء الله ، وإفشال التآمر على
المسلمين من المنظمات الدولية التي تنصح بلدنا
مثلاً بالمزيد من جرعات الفقر ، وكذلك نتفاءل
مع كثرة الأمطار بتعويض المياه الجوفية إن شاء
الله ، و أن تزايُد الأمطار سوف يُخَفِّفُ مع
الأيام من تلوُّث هذه المياه ومن تلوُّث
الأراضي التي تلوَّثتْ في الماضي بالمجاري ، و
سوف يُخَفِّفُ من تلوُّث المحاصيل بالمبيدات
العشوائية ، فالله رحيم بعباده ، وقد عوّدَنا
سبحانه الفَرَج ولاسيما في هذا البلد، لأن
نَفَس الرحمن من قِبَل اليمن كما في الحديث
عند أحمد والطبراني، الذي ذكر الألباني أنه
صحيح .
ولقد كنا في الأصل نخشى مع شِحَّة
الأمطار من نضوب المياه الجوفية ، لاستهلاك
كثير من المياه في سقْي أشجار القات . ونحن
الآن نتفاءل بأن كثرة الأمطار سوف تعوِّض
المياه الجوفية ، و سوف تُلحِق الضرَر إن شاء
الله بهذه الأشجار التي هي بلْوى اليمن ، و
ذلك لأن إغراق هذه الأشجار بمياه الأمطار
الغزيرة سوف يُفْقِدُها إن شاء الله المَذاق
والتأثير المُركَّز و الكَيْف المطلوب منها
عند المدمنين ، و كذلك سوف تَبُورُ سُوقها مع
الوفْرة بسبب كثرة المطر .
وكذلك قد تنـْزل العقوبات ببعض الجهات في
جزيرة العرب ـ كما قد حصل ـ بالفيضانات
وبالإعصار مع الأمطار نتيجةً للمعاصي والذنوب
.. التي منها شيوع المظالم و أنواع الفساد ،
و الإصرار على مشروعات الاختلاط في التعليم
وسائر المجالات ، و الإصرار على إطلاق
الحريات التي تعني الانفلات ، من أجل التمكين
للانحرافات و للحوارات المسمومة وللأفكار
الدخيلة ، وللتشكيلات الهدَّامة ، والإصرار
على تحجيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
!.. و نتفاءل بأن هذه العقوبات ربما تَرْدَع
المُصِرِّين و لعلهم يَنـْزَجِرون ، والله
يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . |