لا تحسبنَّ العلْمَ ينفعُ وحْدَه

                                            

                      لصوت الإيمان في 20صفر1430ـ الموافق16فبراير2009م

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

 

رحم الله الشاعر الذكيَّ التلقائيَّ ، البسيط العميق ، الموهوب البليغ ، صاحب النظم السهل الممتنع ، الذي شرَّق شِعْره وغرّب في عالم الناطقين بالعربية وما أكثرهم! ألا وهو شاعر النيل الأستاذ حافظ إبراهيم الذي يقول في إحدى قصائده الذائعة :

        و العِلْمُ إنْ لم تَكْتَنِفْهُ شمائلٌ           تُعْلِيهِ كان مَطِيَّةَ الإخْفاقِ

        لا تحسبنَّ العلْمَ ينفعُ وحْدَهُ           مـا لم يُتَوَّجْ ربُّهُ بِخَلاقِ

 

     إن العلم يحتاج إلى أخلاق لكي ينفع و يكون له أثر إيجابي في الواقع ،و إلا فإنه يكون مثل الشجرة التي ليس لها ثمرة !!

     ما قيمة العلم مثلا إذا كان حامله خائنًا مرائيًا كاذبًا ؟ أوكان همَّازًا لـمَّازًا صاخباً ؟ أو كان مُتَلَوِّنا حاسدا حاقدا ؟ أو كان قاضيا ظالما مُرتَشيًا ؟ أو كان ضيِّقَ الأُفُقِ والعَطَنِ .. متعصِّـبًا  مُحْتَرِقًا؟ أوكان معتديًا على الحقوق والقِيَم ..فاحشًا مُتَفَحِّشا؟ أو كان مغرورا مُعْجَبًا متكبرًا على الناس ؟ أو كان متطاولًا على العلماء الآخرين، أو مُتَعالِماً على مشايخه ؟ أوكان مناضلاً من أجل الدنيا .. منافسًا من أجل المناصب ..  متفانيًا من أجل الشُّهرة ؟أو كان فاسقا منافقا .. متشككا مرتابًا ؟... أو كان نقَّارًا للصلوات .. هجَّارًا للقرآن .. مُضيِّعًا للنوافل والجماعات  .. يضيق بالذِّكْر ويأنس يالهذْر ..  بلا خشوعٍ و لا وقارٍ و لا إخبات .. مليئًا بالجدال والأقوال والادعاءات .. 

   لا تُخْطِئُ العَينُ وجود مثل هذه الأوصاف والأصناف في بيئات تنتسب إلى العلم والعلماء !!

     إن العلم لا بد له من تزكية تنفخ فيه الروح وتمدُّه بالحياة , وإلا فإنه يكون حجة على الإنسان لا حجة له ، والقرآن نفسه و هو أرقى العلم هو كذلك ، قال عليه الصلاة و السلام (والقرآن حجة لك أو حجة عليك) رواه مسلم .

     ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام معلِّما و مزكيا ، قال تعالى : (هوالذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) الجمعة . وكذلك ورثته من بعده  العلماء ، لا بد أن يكونوا كذلك .

     و قد صاغ صلى الله عليه و سلم  أصحابه صياغة جديدة بالعلم والتزكية ، فكانوا يؤتَون الإيمان ( و هو التزكية) قبل القرآن ( و هو العلم) , بمعنى أنهم جمعوا بينهما .

     ومن جمع بينهما صار ربَّانيًا (نسبة إلى الرب) قال تعالى : (ولكن كونوا ربانيين بماكنتم تعلِّمون الكتاب و بما كنتم تدرسون) آل عمران , فالعلم تلازمه الربانية (والربانية هي الصلة القوية بالرب و هي التزكية) .

     ومن كان عنده علمٌ بلا تزكية فعنده علم بلا فلاح ، قال تعالى : (قد أفلح من زكاها ، و قد خاب من دساها) الشمس , و كم من عالم أضرَّ به علمه عندما فقَد التزكية ، قال تعالى : ( و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) الأعراف .

     و التزكية أعظم ما يحرص عليه المسلم قال تعالى : ( و من تزكَّى فإنما يتزكَّى لنفسه و إلى الله المصير) فاطر .

     والعلم بدون تزكية موجود عند إبليس الذي ربما كان أعلم من يوجد على وجه الأرض الآن ، وموجود كذلك عند كثير من شياطين الإنس و الجن ، ومنهم المستشرقون والمنافقون وعلماء السلاطين .. وكما ورد في البخاري فإن شيطانا كان يسرِق تمر صدقة  الفطر الذي كان يحرسه أبو هريرة رضي الله عنه، وتخلَّص آخر مرة من القبض عليه ، بأنْ علَّم أبا هريرة أن آية الكرسي حافظةٌ من كل شيطان ، و قد أخبرالنبي صلى الله عليه و سلم أبا هريرة أن هذا الشخص شيطان، وأنه قد صدَقَهُ وهو كذوب!  (فهذا شخٌص عنده علْم، لكنه شيطان)

     و ما أكثر المدَّعين للعلم في الناس من الشياطين أو مِـمَّن شبَّههم الله أو أمثالهم بالكلب الذي يلهث ، أو بالحمار يحمل أسفارا ، بحيث إن ضررهم على أنفسهم و على الناس محقَّق ، و ذلك بسبب فقدانهم التزكية ..

     ومعنى ذلك أن مُدَّعي العلم بدون تقويمٍ إيجابي لنفسه و بدون تزكية ، يكون مَخْـزنًا من الكتب ، وهذا الإنسان المَخْزَن مآل أمره الإحراق نسأل الله السلامة ، وليت أنه إحراقٌ كما في الدنيا  لمرةٍ واحدة ويصبح في خبر كان !.. إنه إحراق في نار الآخرة  ...

     وَرَدَ في الحديث الذي رواه مسلم أن الثلاثة الذين تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة أوَّل ما تُسعَّر ، فيهم عالِمٌ وقع في الرياء، و هذا مرض واحد ...!! فكيف إذا تعددت الأمراض؟

      وروى مسلم والنسائي وأحمد عن زيد بن أرقم قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها أنت وليُّها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علْم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع  ،ومن نفس لا تشبع  ،ومن دعوة لا يستجاب لها) .

     إن العلم الحق هو الخشوع قال تعالى : (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ، ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ،  ويخرون للأذقان يبكون و يزيدهم خشوعا) الإسراء. 

     والعلم الحق هو الخشية قال تعالى : (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر .

     فنسأل الله سبحانه و تعالى العلم والعمل ، والقرآن والإيمان ، والفهم والتزكية والخشوع والخشية.. إنه قريب مجيب.. آمين آمين .  

 

 .................................................                                          

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©